أقلام

صناعة الشخصية المتزنة

السيد فاضل آل درويش

مع إشراقة كل يوم جديد تُفتح أبواب التحدي والمواجهة بين قدراتنا وطريقة تفكيرنا في إدارة الإنجاز والتقدم، مع وجود الكثير من العراقيل والصعوبات والمثبّطات، إنه مفترق طرق بين التقدم وتخطي المراحل ومعالجة الأخطاء وأوجه الضعف والخلل أو النكوص للوراء والتهافت على جنبات اليأس والهواجس وعتبة الرتابة والتراخي والكسل، فالأمر يدور مدار تحمل المسؤولية والتحلي بشجاعة المواقف والقرارات وتقبل روح المواجهة مع الظروف الحياتية التي تأتي كثيرًا بعكس الأماني والرغبات – أو التخلي عنها واتخاذ مسلك التبرير أو التسويف أو الابتعاد شيئًا فشيئًا عن خُطى الهمم العالية والإرادة القوية، فالعامل الزمني يفتح باعيه أمام كل فرد لبناء ذاته واغتنام الفرص واقتناصها وتلوين الأوقات بحضوره القوي والفاعل، فتشكيل الشخصية واكتساؤها بريق التمكن والفاعلية والقدرة على تصويب الأهداف ميدانه الممارسات اليومية، والوقوف أمام مرايا النفس وطرح التساؤلات الجدية والمتعلّقة بقدرتنا على مواجهة التحديات التي تعترض طريقنا لا كعقبات بل كمساحات للنمو والنضج الفكري والوجداني واتساع رقعة الوعي والمبادرة لاتخاذ ما يناسب كل مرحلة واتجاه، وذلك من خلال اتخاذ المواقف المتزنة القائمة على الاختيار من جملة الاحتمالات المتاحة دون الاندفاع خلف المشاعر الانفعالية والمتهورة، فالمواقف المستحقة للثناء لن تولد من رحم عدم المبالاة أو مداراة الأخطاء وأوجه التقصير من خلال التهرّب عن المسؤولية، فالظروف الحياتية ميدان يتواجه فيه الفرد مع المعوقات التي يحاول تذليلها والتكيّف مع الصعوبات، فمواجهة الحقيقة في ذواتنا وقدراتنا وتصرفاتنا وعلاقاتنا تتطلب قدرًا كبيرًا من مواجهة التغوّل في أنفسنا، فالنجاح يكمن في التفاصيل البسيطة في حياتنا اليومية واستشعار روح الاقتدار من خلال القرار المتأنّي والخطوة المنظور في الآثار المترتبة عليها، فكم من إنسان يخشى أن ينظر إلى أعماقه فيرى ضعفه أو تناقضه أو خوفه، غير أن إدراكنا لنقاط ضعفنا هو أول خطوة نحو تجاوزها والدخول في معترك الحياة بصورة واضحة، فمواجهة الأخطاء ونقاط الضعف لا تعني جلد الذات أبدًا بل هو التعلم من تلك الأخطاء لئلا تتكرّر مستقبلًا، وهنا تكمن البطولة الهادئة التي تصنع شخصية وازنة تعرف كيفية التعامل مع الواقع بدراية وتأنّ، فليس مطلوبا من كل إنسان أن يكون بطلًا بالمعنى الأسطوري، ولكنها الفاعلية بأن يكون بطل يومه، وذلك من خلال إيمان الفرد بقدرته على تحسين جزئيّ في حياته والجوانب المتعددة فيها، والتمسّك بخيط الأمل والتفاؤل رغم كل الصعوبات هي البطولة الحقيقية التي تصنع شخصيته وتحدد معالمها، فيكفي أن يبدأ يومه بإصرار على أن يكون أفضل مما كان عليه بالأمس، وأن يتحمل مسؤولية اختياراته مهما كانت نتائجها، فالشجاعة الحقيقية تكمن في مواجهة الحقائق وفي الصمود أمام ضغوط الحياة دون أن نفقد إنسانيتنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى