أقلام

لماذا لا يستطيع مرضى الزهايمر التعرف على أفراد أسرهم وأصدقاءهم. نتائج دراسة جديدة من جامعة فرجينيا قد تعيد الأمل لهؤلاء المرضى وعوائلهم

المترجم : عدنان أحمد الحاجي

مقدمة غسان علي بوخمسين

يُعدّ مرض الزهايمر أحد أكثر الأمراض العصبية التنكسية فتكًا وإيلامًا، فهو لا يهاجم الجسم فحسب، بل يتسلل إلى أقدس ممتلكات الإنسان: الذاكرة والهوية. عندما يضرب المرض، يبدأ المصاب رحلة قاسية من الاضطراب المعرفي والإدراكي، حيث تتلاشى خيوط الواقع المألوف ليحل محلها ضباب النسيان والقلق. يكمن جوهر مأساة الزهايمر في التدهور التدريجي للوظائف الإدراكية، وعلى رأسها فقدان الذاكرة، ما يُجرّد الشخص من قدرته على تذكر الأحداث والتجارب التي شكّلت حياته وهويته.

الوظائف الإدراكية، التي تسمح لنا بمعالجة المعلومات وفهم العالم من حولنا، تتضرر بشدة عند مريض الزهايمر، ما يجعل التفاعل مع البيئة المحيطة أشبه بالسير في متاهة لا نهاية لها. لكن لعل الجانب الأكثر إيلامًا، سواءً للمريض أو لعائلته، هو التدهور في الذاكرة الاجتماعية، وهي القدرة الحيوية على التعرف على الوجوه والأصوات المألوفة. فعندما يعجز الأب عن تذكر ابنته، أو الزوجة عن التعرف على شريك حياتها، يتجاوز الألم حدود الفقد الشخصي ليحدث هزة في بنية الأسرة والمحيط الاجتماعي للمريض.

لطالما كان التركيز في أبحاث الزهايمر منصبًا على تراكم بروتينات الأميلويد، باعتبارها مسببًا رئيسًا للمرض، ما يؤدى في النهاية إلى نتائج متباينة في إيجاد علاجات فعالة. لكن بعد التيقن من التعقيد في أسباب المرض وتنوع أعراضه، خاصة التدهور الانتقائي في الذاكرة الاجتماعية قبل غيرها من أنواع الذاكرة، فقد يوحي بوجود مسارات أخرى للتنكس العصبي لم تُستكشف بالقدر الكافي. هذا التدهور المحدد في القدرة على التعرف على الآخرين، بالرغم من بقاء القدرة على تذكر الأشياء قائمة لبعض الوقت، يدفع الباحثين إلى استكشاف آليات دماغية بديلة قد تكون المفتاح لفهم أعمق لآلية فقدان الذاكرة وكيفية مكافحتها.

ومع تزايد الأعباء الإنسانية والاجتماعية لمرض الزهايمر، تبرز الحاجة الملحّة لمقاربات علاجية غير تقليدية تستهدف الجذور الحقيقية لهذا لاضطراب الإدراكي. وفي هذا السياق، تفتح الأبحاث الأخيرة آفاقًا واعدة، بعيدًا عن لويحات الأميلويد التقليدية، لتسليط الضوء على بنى ومسارات حيوية أخرى في الدماغ قد تلعب دورًا محوريًا في حماية الذاكرة وعلاج هذا المرض.

الدراسة المترجمة الذي بين أيدينا تعطي بارقة أمل واعدة لإكتشاف مقاربة جديدة في سبيل فهم أفضل لتطور المرض ومن ثمّ محاولة إيجاد علاج له.

الدراسة المترجمة

فئران التجارب، التالفة فيها الشبكات المحيطة بالعصبونات، “فقدت ذاكرتها الاجتماعية” أو قدرتها على التعرف على الفئران المألوفة لديها، مع أنها لا تزال قادرة على تكوين ذكريات جديدة والتمييز بين الأشياء المألوفة في محيطها. يعكس هذا النمط من فقدان الذاكرة ما يحدث لدى مرضى الزهايمر بشكل وثيق، حيث غالبًا ما تتدهور الذاكرة الاجتماعية قبل ذاكرة الأشياء. الذاكرة الاجتماعية تتضمن التعرّف على أشخاص آخرين من خلال الوجوه أو الأصوات المألوفة. أما ذاكرة الأشياء، مثل الألعاب والأدوات والمعالم، هي القدرة على التعرّف وتذكر وتمييز هذه الأشياء بناءً على تجارب سابقة معها، مثلًا، رآها أو خبرها أو تعرض لها سابقًا. يستخدم الشخص ذاكرة الأشياء للتعرف، مثلًا، على كوب قهوته أو سيارته من بين أشياء أخرى. ويستخدم الفأر نفس الذاكرة للتعرف على الأشياء المألوفة له في محيطه] (1).

في هذه الدراسة (2)، الفئران ما زالت قادرة على التعرّف على الأشياء المألوفة، ما يعني أن الفئران ما زالت تحتفظ بذاكرة الأشياء، لكنها لا تستطيع تذكر الفئران الأخرى التي كانت مألوفة لديها، مما يشي بفقدانها للذاكرة الاجتماعية بشكل انتقائي، لا الذاكرة بشكل عام.

نتائج واعدة

اختبر سونثيمر Sontheimer وفريقه، ما إذا كانت مثبطات ماتريكس ميتالوبروتياز (MMP) – وهي صنف من الأدوية قيد الدراسة بالفعل لإمكانياتها في علاج السرطان والتهاب المفاصل – قادرة على حماية هذه الشبكات المحيطة بالعصبونات (المتخصصة في حماية خلايا دماغية معينة والداعمة للذاكرة). وقد نجح العلاج، حيث منع المزيد من تدهور الذاكرة الاجتماعية وساعد الفئران على الاحتفاظ بذاكرتها لبعضها البعض، ما يشير إلى أن الحفاظ على الشبكات المحيطة بالعصبونات قد يكون استراتيجية علاجية ممكنة للوقاية من فقدان الذاكرة أو إبطاء فقدانها في الأمراض العصبية التنكسية، مثل الزهايمر.

في بحثنا على الفئران المصابة بحالة شبيهة بالزهايمر، اكتشفنا أنه إذا حافظنا على بعض مناطق الدماغ سالمةً أو قويناها في مرحلة مبكرة من حياتها، فإن أداء ذاكرة التفاعلات الاجتماعية لدى الفئران المصابة بالزهايمر، وذاكرتها لرفاقها تصبح أفضل. وأن ذلك قد يساعد في تأخير مشكلات الذاكرة الاجتماعية المرتبطة بمرض الزهايمر. حين حافظنا على سلامة هذه المناطق الدماغية في مرحلة مبكرة من الحياة، كانت الفئران المصابة بهذا المرض أفضل في تذكر تفاعلاتها الاجتماعية، كما قال تشونسالي Chaunsali. وأضاف: “ستساعدنا نتائج الدراسة على الاقتراب من إيجاد طريقة جديدة وغير تقليدية لعلاج مرض الزهايمر، أو الأفضل من ذلك، الوقاية منه، وهو أمرٌ نحن في أمسّ الحاجة إليه هذه الأيام.”

يأمل الباحثان سونثيمر وشونسالي في أن يصار إلى الاستفادة من هذه الدراسة التي أجريت على الفئران في انتاج علاج لحالات الزهايمر لدن المصابين. ولكن سيأخذ تحويل هذه الاكتشافات إلى علاج فعال وقتًا، كما يحتاج إلى مزيد من الدراسات لمعرفة فعاليته وسلامته للمصابين من البشر قبل تطبيقها عليهم،

“بالرغم من توفر أدوية قادرة على تأخير فقدان الشبكات المحيطة بالعصبونات، وبالتالي تأخير فقدان الذاكرة في المصابين بمرض الأزهايمر، إلا أنه ما يزال هناك حاجة إلى مزيد من دراسات تتعلق بسلامة وفعالية هذه العلاجات قبل تطبيقها على البشر،” حسبما قال سونثيمر. وتابع سونثيمر: “من أكثر الجوانب المثيرة للاهتمام في بحثنا هو أن فقدان الشبكات المحيطة بالعصبونات الملحوظ في دراساتنا حدث بشكل مستقل تمامًا عن الأمراض التي تسببها تراكمات بروتينات أميلويد بيتا المتحللة وما ينتج عنها من لويحات الأميلويد، والتي تسبب في النهاية مرض ألزهايمر، ما من شأنه أن يزيد من الشكوك في أن هذه التراكمات البروتينية قد لا تكون سببًا لمرض ألزهايمر.” ولذلك أهمية الحفاظ على هذه الشبكات تتجسد في أنها تؤخر فقدان الذاكرة، ما قد يكون مفتاحًا للوقاية من أعراض الزهايمر أو الحد من حدتها على الأقل.

الهوامش

1- https://www.sciencedirect.com/topics/psychology/object-memory

2- https://alz-journals.onlinelibrary.wiley.com/doi/10.1002/alz.70813

المصدر الرئيس

https://news.virginia.edu/content/why-alzheimers-patients-forget-loved-ones-and-how-uva-researchers-are-fighting-back

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى