أقلام

النظرة الواقعية للحياة

السيد فاضل آل درويش

كيف يمكن للإنسان في وسط ضجيج الحياة وصخب أحداثها وارتفاع وتيرة وسخونة المواقف فيها أن يصنع عالمه الخاص به والمتميز بالهدوء النفسي والانسجام مع الذات؟

الاعتقاد بأن عقارب الساعة تسير وفق خطانا البطيئة أو المتهالكة ضرب من العبث أو الجنون، كما أن إفرازات هذه السرعة الجنونية للأحداث وتداخل العوامل المختلفة فيها يحدث حالة من الاضطراب والتوتر، حيث يشعر الفرد بعجزه أو ضعفه عن مجاراة هذه الفوضى الحياتية – لا أقل بنظره – ولا يمكنه تحصيل بيئة تفارق وتخلو من المشاكل والأزمات المتصاعدة في جميع جوانب حياته وعلاقاته، وقد ينظر البعض لهذه الفكرة وكأنها ترف فكري أو ثقافي أو نوع من المبالغة في توصيف الواقع، بيد أن عجلة الحياة تتزاحم فيها الأفكار والأحداث والتوافق أو التصالح معها يحتاج إلى تغيير داخلي فينا، والحقيقة أن الواقع لا يختلف في ذاته بقدر استطاعتنا على مجاراته أو وضع تفسير محدِّد له، وهنا يصبح السؤال والبحث عن حالة الهدوء النفسي في محله في وسط هذا الضجيج الحياتي وما يصاحبه من صعوبات وتوترات نفسية ناشئة عنه.

الهدوء الداخلي ليس غياب التوتر أو الفراغ من الأفكار بل هو حالة من التوازن النفسي تسمح للإنسان بأن يعيش مع ذاته والعالم من حوله في انسجام مهما كانت الظروف المحيطة به، إنه ذلك الشعور العميق بالطمأنينة الذي يجعل الإنسان يواجه الصعاب دون أن يفقد سلامه النفسي، ويتعامل مع الألم دون أن يتحول في مشاعره إلى الآخرين إلى كراهية (المقارنة السلبية) أو يأس ورفع راية التشاؤم والنظرة السوداوية تجاه المستقبل.

ومفهوم السعادة والنجاح والراحة النفسية يعود تركيزها على دواخلنا وطريقة تفكيرنا لا على الأحداث والمواقف نفسها، فالاختيار والقرار المناسب والمتوازن هو سر القدرة في المحافظة على التوازن النفسي في وسط عاصفة الحياة وهبوب ريح الآلام و العثرات.

النظرة الانفعالية أو النظرة المتأنية بعين العقل الواعي وجهان يفسران الأحداث على أرض الواقع، والاندفاعية في فهم الوقائع تُبقي الفرد رهينًا لها في وسط التوترات وفقدان التوازن النفسي، والنظرة الواقعية تكشف أن كل تجربة مهما كانت قاسية تحمل درسا أو معنى يمكن أن يُغذّي ويُثري نضجه الفكري والانفعالي، فالإخفاق الدراسي أو المهني لا يعني نهاية الطريق بل ربما يكون بداية لتصحيح المسار واكتشاف قدرات جديدة لم يكن المرء يعرفها في نفسه أو البيئة المحيطة به.

كما أن اللحظة الراهنة واستحقاقاتها تغض أبصارنا عن الالتفات إلى الوراء (الماضي) وتقليب أوراقه المؤلمة والتوقف عن إعادة اجترار الذكريات أو القلق من قادم الأيام، فكل يوم يعدّ فرصة لإعادة بناء وعينا ولإعادة صياغة علاقتنا بالحياة وللنهوض من جديد.

كما أن النظرة الواقعية تشير إلى عوامل المعاناة والآلام وكيفية التعامل معها، فهناك من الظروف الصعبة ما لا يمكن مقاومته والسير في وجه العاصفة، والقرار الحكيم هو التحمل والتكيّف مع الواقع وإكمال طريق الإنجاز والنجاح رغم الصعوبات، من هنا فإن النظرة الواقعية للحياة رحلة مستمرة من الانتباه والتأمّل، رحلة تتطلب انسجامًا داخليًّا ومرونة نفسية عند التعامل مع العثرات والإخفاقات والأزمات، فالعالم من حولنا سيظل – كما هو – مليئًا بالضجيج والتغيّر ولكننا نحن من نقرر كيف نراه وكيف نعيش فيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى