أقلام

الإنسان العربي والتطور

أمير بوخمسين

يتغير العالم من حولنا بسرعة مذهلة، وما يزال العقل الانساني يبتكر ويغامر ويعيد صياغة الحياة كل يوم. ولكننا نحن العرب فما نزال نجادل التاريخ أكثر مما نصنعه، ونعيش في مساحة تخصنا نحن فقط، بين ما كنا عليه وما نريد أن نكونه.

ويري كثيرون أن الذي يمنع الإنسان العربي من التطور، أن العقل العربي في غالبية بيئاته التعليمية والاجتماعية، يربى على التلقي وليس التساؤل.

يطلب من الطفل أن يحفظ، إلى أن يفهم. ومن الطالب أن يكرر، إلى أن يعيد التفكير. ومن العامل أن يطيع، إلى أن يبتكر..

بينما في مقابل ذلك تنفق الأمم المتقدمة ثرواتها على بناء منظومة السؤال، لأنها تعلم أن كل إجابة عظيمة تبدأ بجرأة طفل سأل:” لماذا؟ “.

كما يري هؤلاء أننا لا نستلهم الماضي، بل نبني حوله الأسوار، نراه كمالا لا يمس، بينما هو في الحقيقة تجربة بشرية قابلة للمراجعة.

تقديس التاريخ حول ذاكرتنا إلى سجن ذهني، نقيس الحاضر بمقاييس الذين سبقونا، ونستمد شرعية أفكارنا من أزمنة لم تعد تعرفنا.

الأمم التي نهضت لم تنس تاريخها، ولكنها استخدمته كوقود، لا كقيد. فالماضي الذي لا يتحول إلى طاقة للمستقبل، يتحول إلى أغلال تعيق التطور. وقيل إن العرب لديهم وفرة في” القول“، وندرة في” الفعل“. نجيد الحديث عن النهضة، والتنمية، والعدالة، ولكننا لا نبني مؤسسات قادرة على تنفيذ تلك الأفكار. نبدأ بالمهرجانات وننتهي باليأس.

في اليابان مثال، لم يتحدثوا عن النهضة بقدر ما عملوا لها، وفي سنغافورة لم يرفعوا شعارات، بل بنوا نظامًا إداريًًا لا يعرف الارتجال، وماليزيا تقدمت وتطورت عندما قاد زعيمها د محمد مهاتير التحول الاجتماعي والاقتصادي والتكنولوجي في البلاد، ضمن رؤية أعلن أهدافها ورسالتها، فأصبحت من النمور الآسيوية.

هناك عدة عوامل قد تُعيق تطور الإنسان العربي، منها ضعف النظام التعليمي في بعض الدول حيث يؤثر على تنمية المهارات والمعرفة. الفقر والبطالة تؤديان إلى صعوبة الحصول على الفرص الاقتصادية والتعليمية الجيدة. الحروب والاضطرابات السياسية تؤثر سلبًا على التنمية العامة وتؤدي إلى عدم الاستقرار. بعض العادات والتقاليد قد تعيق الابتكار والتغيير، نقص الوصول إلى التكنولوجيا الحديثة قد يحول دون تطور الإنسان في مجالات متعددة.. الفجوات بين الجنسين في التعليم والعمل تؤثر على مشاركة النساء في التنمية.. البحوث والتطوير.. نقص الاستثمار في البحث والابتكار يؤدي إلى تراجع التنافسية الاقتصادية..

تجمع هذه العوامل تشكل تحديات جسيمة، ولكنها ليست مستحيلة التغلب عليها. ويمكن التغلب على الكثير منها من خلال تعزيز التعليم، وتحسين الاقتصاد، وتعزيز الحوار السياسي والمجتمعي.

إن الخوف هو أكثر ما يعوق تطور الإنسان العربي. الخوف من الخطأ، من الجديد، من المجتمع، من السؤال. الخوف يجعلنا نختار الصمت بدل المحاولة، والتبرير بدل الفعل.

الامم المتقدمة لم تكن أقل خوفًا، ولكنها كانت أكثر شجاعة في مواجهته. أما نحن، فنخاف حتى من الذين لا يخافون. وهكذا نصبح أسرى ثقافة الحذر، حيث لا يتقدم أحد، ولا يجرؤ أحد على كسر النمط.

ما نزال نعيش انقسامًا بين العقل والايمان، وبين الروح والمادة، وطبعًا بين الأصالة والمعاصرة. فما بين الإفراط والتفريط ضاعت المسافة الوسطى التي يصنع فيها التوازن..

يقف الإنسان العربي وحيدًا أمام أزمات تتجاوز قدرته. حيث لا مشروع وطني واضح، ولا رؤية عربية موحدة. بينما تعمل الأمم المتقدمة جاهدة في بناء الوعي الجمعي الذي يحرك الأفراد في اتجاه واحد، نحو فكرة كبرى تتجاوز الذات.

الإنسان العربي. يحمل في داخله كل بذور النهضة والتطور ولكنه ما يزال يخاف أن يزرعها.

وحين يتصالح مع السؤال، ويحرر نفسه من القيود التي صنعها بيديه، سيكتشف أن الطريق إلى المستقبل لم يكن يومًا مغلقًا، بل ينتظر أن نخطو إليه بشجاعة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى