
د. حجي الزويد
اطلعتُ على ما خطَّه يراعُ الفاضل بكر العبد المحسن في مقاله الموسوم بـ «الطبيب الإنسان علي بن محمد آل عيثان»، حيث عبّر فيه عن رؤيته الوجدانية للحفل التكريمي الذي أقامه نادي المعرفة لجودة الحياة برعاية الدكتور عبد الله السلطان تكريمًا للدكتور علي محمد العيثان تقديرًا لعطائه الطبي والإنساني النبيل.
وقد كان لأسلوبه الإنساني الرفيع وعباراته الدافئة أثرٌ بالغٌ في نفسي، إذ أشار إلى إدارتي للحفل بكلماتٍ تنبض بالذوق والصدق، كلماتٍ أنارت المشهد وألبسته ثوب التقدير والوفاء، حتى وجدتُ نفسي أقف خجلاً أمام هذا الإطراء النبيل الذي لا يصدر إلا من قلبٍ يعرف قيمة الكلمة ومقام الإنسان.
إنّ ما كتبه العبد المحسن لم يكن مجرّد إشادة، بل رسالة إنسانية تُذكّرنا بأن الجمال يكمن في الاعتراف بالفضل، وأن الوفاء لا يزال حاضرًا في أقلامٍ تكتب لتُكرّم لا لتُفاخر. فله من القلب أسمى عبارات الامتنان على كلماته التي تركت أثرها في الوجدان قبل السطور.
شكرٌ يليق بالمقام:
أحببتُ أن أخصَّ العبد المحسن بعباراتِ شكرٍ تليق بمقامه الاجتماعي والإنساني، شكرٍ تنبع حروفه من التقدير قبل التعبير، ومن الإعجاب قبل الإطراء.
وقد جاء امتناني له مستندًا إلى قراءتي المتأملة في أسلوبه الكتابي والإنساني – بوصفي أحد المهتمين بهذا الجانبً – في النصوص التي تلامس الروح قبل العقل.
فما يخطّه قلمه ليس سردًا عابرًا، بل فيضٌ من العذوبة والبيان، تتدفّق منه الكلمات كجدولٍ من الصفاء، تجمع بين عمق الفكرة وأناقة العبارة، وتغتني بروحٍ إنسانيةٍ رفيعةٍ تتجلّى في مقالاته الاجتماعية والتربوية والثقافية التي تُحيي القيم وتوقظ الضمير
إشراقة القلم الإنساني في فكر بكر العبد المحسن:
في زمنٍ تتكاثر فيه الأقلام وتتناقص فيه المعاني، يبرز القلم الصادق كنبعٍ صافٍ يشق طريقه بين ضجيج الكلمات ليمنح القارئ شيئًا من النور والسكينة.
ومن بين هذه الأقلام، يطلّ العبد المحسن ككاتبٍ يحمل همَّ الكلمة ومسؤوليتها، فيكتب لا ليُفاخر، بل ليُكرِّم الإنسان والإنسانية معًا.
كلماته تمتزج بالصدق والعذوبة، وتغدو جسورًا بين الفكر والعاطفة، بين الرسالة والموقف، حتى تكاد نصوصه تتحول إلى مرايا يرى فيها القارئ ذاته ومجتمعه وقيمه العليا.
ولأن للأقلام الصادقة حقًّا علينا في الوفاء، تأتي هذه القراءة المتواضعة تقديرًا لفكر العبد المحسن، واستجلاءً لأسلوبه الذي جمع بين جمال الكلمة والإنسانية، وبين جمال اللغة وعمق المعنى.
يشكّل العبد المحسن أنموذجًا رائعًا وجميلا للمثقف الذي جمع بين الفكر والموقف، وبين الكلمة والرسالة. فهو لا يكتب ليملأ الصحف حبرًا، بل ليملأ القلوب وعيًا. وفي زمنٍ يتكاثر فيه القول ويقلّ فيه الأثر، جاءت كتاباته شاهدة على صدق القلم حين يكون ضميرًا للمجتمع، وصوتًا للعقل والوجدان معًا.
ما لمسته في كتابات العبد المحسن يمكنني تلخيصها في الجوانب التالية:
أولًا: جماليات القيم المجتمعية في كتابات العبد المحسن:
تتميز كتابات العبد المحسن في هذا الجانب بقدرته على ربط القيم الأخلاقية بسلوك الإنسان اليومي، وتعزيز روح المسؤولية والعطاء في المجتمع.
برز في فكره إيمانٌ عميق بأن المهنة بلا إنسانية فراغ، والإنسانية بلا مسؤولية ضعف. لذلك، سعى في مقالاته إلى إبراز النماذج التي تجمع بين الكفاءة والتواضع، بين العلم والخدمة، بين العمل والإحسان. إنه يرى في كل موظفٍ معلمًا، وفي كل معلمٍ مصلحًا، وفي كل مصلحٍ إنسانًا ينثر الخير حيث حلّ.
لقد جعل من القيم المجتمعية محورًا لخطابه، لأنّه يدرك أن نهضة الوطن لا تبنى بالمشاريع المادية فحسب، بل بسلوك الإنسان الذي يعمّرها بروحه قبل يده.
من شواهد مقالاته في هذا الجانب:
نهاية خدمة العمل هي العطاء والوفاء لا التقاعد
رمزية الشتم والازدراء بالحيوان من الآخر
قوة التنافر وضعف التجاذب في العلاقات الاجتماعية
ثانيًا: جماليات القيم التربوية في كتابات العبد المحسن:
يتجلى فيه فكر المربّي الذي يرى في التعليم رسالةً لبناء الوعي والهوية، ليس مجرد وسيلة لاجتياز المراحل الدراسية.
كان العبد المحسن في عمق مقالاته التربوية، مربّيًا أكثر منه كاتبًا. يؤمن أن التربية ليست أنظمةً أو جداول، بل رؤية إنسانية تُنبت المعنى في سلوك الفرد. لذلك دعا إلى أن تتحوّل المدرسة من حجرة تلقين إلى حديقة وعيٍ وإنسانية، وأن يتحوّل الانضباط من خوفٍ من العقوبة إلى حبٍّ للنظام والقيمة.
وفي فكره، لا ينفصل التعليم عن الأخلاق، ولا تنفصل المعرفة عن الوعي، لأن غايته الكبرى هي أن يصبح الإنسان مشروع تربيةٍ مستمرة، لا يتوقف عند مرحلةٍ عمرية أو منصبٍ وظيفي.
ومن أبرز مقالاته التي تُجسّد هذا الاتجاه التربوي الجميل:
1. تعزيز الانضباط المدرسي بين الهدر والاستثمار
2. الكمّ والكيف في جدلية نظام الفصول الدراسية
ثالثًا: نبض الإنسانية في كتابات بكر العبد المحسن:
إن القارئ حين يتأمل فكر الأستاذ بكر، يدرك أنه لا يكتب من برجٍ عالٍ، بل من قلب المجتمع وبين أبنائه. يكتب بضمير المربّي ووجدان المواطن، ويرى في القلم أمانةً لا امتيازًا.
لقد قدّم أنموذجًا راقيًا للمثقف الذي يمارس دوره لا بالخطابة، بل بالبناء الهادئ في العقول والضمائر، وبالقدرة على تحويل التجربة اليومية إلى فكرةٍ تربويةٍ ملهمة، وتحويل المقال إلى درسٍ في الإنسانية والاعتدال.
من شواهد ذلك الموضوع الذي كتبه أخيرًا: الطبيب الإنسان علي بن محمد آل عيثان
رابعًا : : المجال الفكري والثقافي في كتابات العبد المحسن
يتّسم المجال الفكري والثقافي في كتابات الأستاذ بكر العبد المحسن بحبّ التأمل، والقدرة على تفكيك الظواهر الاجتماعية والفكرية بلغةٍ تجمع بين الهدوء والوعي، والعقل والعاطفة.
يكتب بلسان المفكّر الذي يسعى إلى الإصلاح لا إلى الجدل، وإلى ترميم الوعي لا إلى تأجيج المواقف، فتأتي مقالاته كصفحاتٍ من ضوءٍ تُعيد ترتيب العلاقة بين الكلمة والمسؤولية.
ومن أبرز المقالات التي تُجسّد هذا الاتجاه الفكري والثقافي:
1. التقدّم والتخلّف وانعكاس المصالح
2. الجدل الخطابي بين تنشيط الفكر وإثارة الوجدان
3. ما بين خيوط المعازيب ومقاطع المشاهير
4. جرس إنذار.. الرسالة المستترة
5. حكاية النار
6. عذرًا لم يكن ذلك اضطراب اكتناز الأدلوجة
7. دراما الشخصيات التأريخية فوق المجهر وتحت الرماد
وتمتاز كتاباته بعدة مزايا من بينها:
اللغة والرسالة في فكر بكر العبد المحسن:
أما لغته، فهي مزيج من الواقعية والدهشة، ومن العقل والحسّ. يكتب كما يتحدث الإنسان النبيل الذي يرى في الكلمة وسيلة للتنوير لا للجدل. لغته تفيض دفئًا، وتُضيء الفكر دون أن تحرقه، وتُعلّم دون أن تُملّ.
يتميّز أسلوبه بأن الكلمات والجمل فيه لا تأتي من زخرف الكلام، بل من صدق الفكرة واتساعها الإنساني. فهو لا يكتب ليُبهر القارئ بعباراته، بل ليوقظ فيه حسّ المسؤولية، ويعيد تشكيل رؤيته للواقع. حين يتحدث عن المعلم أو الطبيب أو الطالب، تشعر أن الكلمات تخرج من تجربةٍ حقيقيةٍ لا من مقعدٍ نظري.
يختار ألفاظه بعنايةٍ توازن بين العمق والوضوح، فيجعل نصه مفهومًا لعامة القرّاء، وممتعًا لأهل الفكر واللغة في آنٍ واحد.
التصوير في كتابات العبد المحسن:
يتّسم أسلوب العبد المحسن بجمال لغوي يستمده من جمال التصوير، حيث تتحول مفرداته إلى لوحاتٍ تنبض بالحياة والمعنى. فهو لا يكتفي بنقل الفكرة سردًا مباشرًا، بل يصوغها في في صور جمالية تُجسِّد القيم التي يؤمن بها؛ كالعمل، والعطاء، والثبات، والانتماء.
نغمةٌ وجدانيةٌ مشبعة بالقيم:
يحمل العبد المحسن نغمةً وجدانيةً راقية، يُخاطب بها القلب كما يخاطب العقل. فالكلمة عنده تكتسب بعدًا وجدانيًا يجعل النص أقرب إلى رسالةٍ أخلاقيةٍ أو دعوةٍ روحيةٍ للتأمل.
ولذلك كثيرًا ما يشعر قارئه أن المقال لا ينتهي عند السطر الأخير، بل يستمر صداه في الداخل، كأنه حديث ضميرٍ أو همسة وعي.
الأسلوب التأملي:
يستخدم العبد المحسن أسلوبًا تأمليًّا؛ ينسج من خلاله مسار الفكرة، فيقود القارئ من ملاحظةٍ يوميةٍ إلى تأملٍ إنسانيٍّ أو قيميٍّ أوسع.
إنه لا يُلقي النص من علٍ، بل يجلس مع قارئه في مقعدٍ واحد، يتحدث إليه لا عنه، فيشعر القارئ أن النص يخصّه هو، وأنه شريك في صناعته.
التوازن بين العقل والعاطفة:
يمتلك العبد المحسن قدرةً على تحقيق التوازن الدقيق بين العقلانية الفكرية والدفء الإنساني. فلا يُغرق في التنظير الجاف، ولا يستسلم للعاطفة المفرطة، بل يصوغ نصّه بلغةٍ منضبطةٍ بالمنطق ومضيئةٍ بالوجدان.
وهذا ما يجعل مقالاته صالحةً لأن تُقرأ في المدرسة والمجلة، في المنتدى الثقافي والمنبر المجتمعي على السواء.
خلاصة القول
إن اللغة عند العبد المحسن هي مرآة فكره وروحه: هي صافيةٌ كينبوع الأحساء، ثابتةٌ كجذع النخلة، رحيمةٌ كظلها.
يكتب بوعي المثقف، ودفء المربّي، وصدق الإنسان الذي يرى في الكلمة مسؤوليةً لا ترفًا.
ومن هنا، يمكن القول إن كتاباته ليست زخرفًا لغويًا بل فنٌّ في تحويل الحياة اليومية إلى حكمةٍ قابلةٍ للعيش، وتحويل القيم إلى صورٍ تُضيء دروب القرّاء.
كلمة وفاء في حق الكاتب الإنسان بكر العبد المحسن:
يبقى العبد المحسن صوتًا من أصوات النور في مشهدٍ يحتاج إلى العقول الهادئة والقلوب المخلصة.
وما بين القيمة المجتمعية التي يحملها، والرؤية التربوية التي ينادي بها، والأسلوب الذي يصوغ به أفكاره، تتكوّن ملامح الكاتب الإنسان الذي لا يفصل بين الكلمة والموقف، ولا بين الفكر والحياة.
فهو بذلك امتدادٌ لتاريخ الأحساء الثقافي المضيء، وركنٌ من أركان الوعي المحلي الذي يعيد تعريف المثقف بأنه من يعيش للناس، لا من يعيش بينهم فقط.
وفي ختام هذه الكلمات، أسأل الله العلي القدير أن يبارك في الفاضل بكر العبد المحسن، وأن يجزيه خير الجزاء على ما يقدّمه من عطاءٍ فكريٍّ وإنسانيٍّ يلامس القلوب قبل العقول.
اللهم وفّقه في مسيرته، وأجرِ الخير على يديه، وزِده علمًا ونورًا ورفعةً في الدارين.
واجعل قلمه شاهد صدقٍ يكتب به ما ينفع الناس، وازرع في دربه من التوفيق ما يسرّ قلبه ويبهج أيامه.
فهو من أولئك الذين يزرعون الكلمة طيبةً في أرض الناس، فيثمر بها الوعي والمحبة، ويتركون في كل سطرٍ بصمةً من الوفاء والنقاء.





