
أحمد العطافي
في الآونة الأخيرة أصبحت الولائم التي تجمع رجال الأعمال ورجال الدين ومن يطلق عليهم “الوجهاء” مشهدًا متكررًا حيث تتشابه الأسماء والوجوه وحتى نمط البذخ والتفاخر. السؤال الذي يفرض نفسه: ما الجدوى الحقيقية من هذه التجمعات وهل الغاية فعلًا اجتماعية وتنموية أم أنها تحولت إلى استعراض فارغ؟
إن غياب المخرجات العملية عن هذه الولائم يجعلها أقرب إلى مناسبات شكلية تقام للظهور والتصوير لا لتبادل الأفكار أو خدمة المجتمع، فالمجتمع بحاجة إلى رموز تلهمه بالفعل لا بالكراسي الفخمة والمآدب العامرة. فالمجتمع أو الوطن لا يبنى بالصور إنما بالمواقف الصادقة والمبادرات الفاعلة.
وحين يصبح الحضور أو إقامة هذه الولائم هدفًا بحد ذاته لا وسيلة للتشاور أو العمل فنحن أمام خلل حقيقي في الوعي الجمعي لدور النخبة فما الفائدة من اجتماع عشرات الشخصيات في مجلس فخم إذا لم ينتج عنهم فكرة نافعة أو مبادرة تغير واقعًا أو حتى كلمة صادقة تلامس هموم الناس؟
إن أخطر ما قد تخلّفه هذه الولائم هو تطبيع التفاخر وإيهام المجتمع بأن”الوجود الإعلامي” يعادل “الإنجاز الواقعي”ولعل من المؤسف أن تنفق الأموال والجهود على مظاهر براقة، بينما هناك أسر متعففة تأمل في من يسندها وشباب يحملون أفكارًا خلاقة يبحثون عن من يحتضنها فإذا كانت هذه الولائم تُقام باسم المجتمع فليكن المجتمع جزءًا منها لا متفرجًا عليها وإذا كانت تُنظم لتكريم شخصيات مؤثرة فليُكرم من يصنع فرقًا لا من يلمع اسمه في بطاقات الدعوة.
وما يحزن حقًّا أن هذه الولائم باتت تمثل مشهدًا نخبويًّا مغلقًا لا يُدعى إليه إلا من هم داخل دائرة العلاقات الخاصة وكأن المجتمع لا يضم غيرهم ! لا شباب ولا نساء ولا فاعلين حقيقيين من الميدان. فهم نفس الوجوه ونفس المجاملات ونفس الخطابات المكررة التي لا تلامس واقع الناس ولا تعكس احتياجاتهم. قد تحدث هذه الولائم فجوة بين المجتمع الحقيقي وبين من يفترض أنهم رموزه وحين يرى الناس ذات الوجوه تُكرم وتُحتفى في كل محفل دون أن يروا لها أثرًا ملموسًا في حياتهم اليومية أو مساهمة حقيقية في حل قضاياهم.
إن الوجهاء الحقيقيين هم من يتركون بصمة في وجدان الناس لا في عدسات الكاميرات أو وسائل التواصل، وهم من يقدمون الوقت والجهد لخدمة المجتمع لا من يتنقلون من دعوة إلى أخرى بحثًا عن الأضواء فليست العبرة بكثرة التجمعات ولا بعدد الحضور أنما بما تثمره تلك اللقاءات من مبادرات وحوارات مسؤولة وحلول واقعية.
إذن: إننا بحاجة إلى إعادة تعريف معنى الوجاهة فالوجاهة ليست في اللباس الفاخر ولا في الظهور المتكرر، وإنما في القدرة على التغيير في الحضور الفاعل داخل المجتمع وفي التواضع الذي يلهم وفي القرار الذي يصنع الفرق. فليكن لكل دعوة هدف، ولكل لقاء قيمة، لا أن تكون مجرد مناسبة للصور والتباهي ثم تُطوى صفحتها دون أثر. ومن أراد هؤلاء أن يكونوا قدوة فليتجه نحو المبادرات الحقيقية، منها دعم الشباب، وحل المشكلات المجتمعية، وتمويل المشاريع الإجتماعية ومناصرة القضايا العامة.
فالمجتمع لا يحتاج إلى مزيد من المدعوين، وإنما يحتاج إلى مزيد من الفاعلين. فإن التاريخ لن يسجل كم وليمة أقيمت بل كم فكرة نفذت وكم شخص أُلهم وكم حاجة سُدت. الولائم ليست كلها مشكلة، ولكن عندما تتحول لعادة جوفاء دون أثر تصبح عبئًا على الذوق العام والرسالة المجتمعية.




