أقلام

لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ؟!

السيد فاضل آل درويش

هناك مسألة مهمة تستحق النظر والتأمل فيها بحثا عن جذورها وعواملها والآثار الوخيمة المترتبة عليها، لما تمثّله من عامل هدم وتراجع في مسيرة الإنسان وشلّ حركته في طريق إثبات الوجود وتحقيق المكانة الحقيقية والتكامل، ألا وهي مسألة الازدواجية والتباين والتفاوت بين الحالة الإيمانية نظريًّا فيحمل في عقله المسائل المعرفية الحقة، بينما تجده على أرض الواقع يمارس من السلوكيات والتصرفات ما يناقضها مما يدل على وجود خلل في المنظومة القيمية عنده، وأي مسار علاجي لإصلاح هذه المنطقة من التناقض النظري والعملي ينبثق من إعادة قراءة الذات ومحاسبة النفس على ما يصدر منها، وذلك لوضع اليد على أوجه التقصير والأخطاء المرتكبة ومن ثَمّ الانطلاق مجددًا في ميدان تحقيق الوجود والمضي في طريق التكامل، وهذا التناقض ليس أمرًا عابرًا بل ظاهرة متكرّرة تحتاج إلى وعي عميق ومعالجة تربويّة راسخة واستجلاء معالم الإصلاح عبر المعرفة والمحاسبة واليقظة القلبيّة (الضمير الحي).

الحالة الإيمانية ليست اتجاها جامدا يخلو من المضامين والمقاصد المتجلّية والمتجسّدة في السلوك العلمي والحياة اليومية، والأمر لا يصل إلى حالة الخطورة إلا إذا استفحل وتحوّل إلى سلوك مستمر يُلحظ عليه غياب الوعي، فالباطن الإنساني إذا توافق مع التطبيق العملي كان ذلك مؤشرا على المصداقية الإيمانية، حيث يصبح ما نعتقده هو نفسه ما نعيشه ونتعامل به وفق المنظومة الأخلاقية التي نؤمن بها.

حالة التباين بين الجانب النظري والعملي يبدأ طريق معالجتها عن طريق مصارحة الذات والوقوف أمام مرآة الاعتراف، فهذه المواجهة ينطلق منها مبدأ إصلاح النفس وإدراك ما يعتريها من ضعف وتشتّت، فهذه المعرفة والبصيرة تقوده نحو تمييز عوامل الهدم والمحاذير التي يمكن أن يرتكبها مما يجنح به نحو الانحراف والغفلة، كما أن الأخطاء السلوكية كالكذب والتلوّن وغيرها لها آثارها الملوّثة لطهارة النفس ونقائها، وعندما يتنوّر العقل بالوعي والبصيرة تصبح قرارات الإنسان أكثر حكمة وتصرفاته أكثر اتزانًا، فمعرفة النفس وعيوبها ونقاط ضعفها جزء أساسي من هذه البصيرة التنويرية، فلا يمكن لإنسان أن يتقدّم في مسار الاعتقاد والعمل من دون تفكّر عميق ومحاسبة دقيقة لنفسه وخطاها.

إن الغفلة هي عدوّ الإنسان الهادئ الذي يتسلّل دون شعور ويفقده القدرة على الاتزان أو التصحيح، ومع تراكم محطات الغفلة يضيع العمر وتبهت القيم ويضعف الإيمان، والانتباه للغفلة هو بداية اليقظة وبداية عودة القلب إلى نبضه الإيماني الطبيعي، كما أن العمر رأس مال لا يُعوَّض والإنسان إن لم يدرك ذلك عاش مشتتًا وضائعًا بين الملذّات وصوارف الإرادة والهمة، فلحظات التفكّر تُعيد الإنسان إلى إدراك قيمة الزمن الذي يمرّ وضرورة استثماره في العلم وعمل الخير وصنع المعروف، وكل خطوة يخطوها الإنسان في طريق معرفة نفسه وتقويم سلوكه هي خطوة نحو حياة أكثر صفاء واتّساقا مع قِيمه وإيمانه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى