أقلام

تجسير الفجوات المعرفية والثقافية بالمنظمات غير الربحية 

سعيد الباحص

لا شك أن تأسيس المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي الذي كان في عام ١٤٤٠ يعد هدفًا إستراتيجيًّا ضمن خطة رؤية المملكة ٢٠٣٠م، الهادفة إلى تمكين القطاع غير الربحي والعمل على تحقيق أثر أعظم للقطاع على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي. حيث يعد المركز أحد مبادرات برنامج التحول الوطني لتنمية القطاع غير الربحي، ويتولى المركز مهامًا متعددة ستمكن القطاع من النماء وتفعيل دوره في تحقيق التنمية المستدامة من خلال التكامل مع كافة شركائه من الجهات الحكومية والمنظمات غير الربحية، والشركات، والأفراد، بذات الرسوخ في رسالته التي تهدف إلى تمكين وتوجيه القطاع غير الربحي من خلال مشاركة فاعلة وكفاءة عالية وخدمات موثوقة ومؤثرة محليًّا وعالميًّا.

مقولة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله التي تؤكد أهمية دور القطاع غير الربحي في صنع الأثر حيث قال سموه

(نهدف للوصول إلى قطاع غير ربحي مهم مبادر وداعم ومؤثر في التعليم والصحة والثقافة والمجالات البحثية).

ومن هذا الطرح سيكون موضوع مقالي هذا اليوم متمركزًا حول دور المنظمات غير الربحية بمختلف مجالات عملها واختصاصاتها التي تبلغ قرابة سبعة آلاف منظمة تعمل في جميع مناطق المملكة، ومدى قدرتها في صنع الأثر الاجتماعي من خلال حزمة البرامج والمبادرات التي تقدمها هذه المنظمات وانعكاسها الفاعل في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ومقدار الفائدة المرجوة من نوعية برامجها ومخرجاتها، وحجم استفادة القطاعات الحكومية من تلك البرامج وأثرها الايجابي في جوانب الدعم والمساندة لتلك القطاعات.

ومن مقولة سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان حفظه الله تجاه مبادرة القطاع غير الربحي ودعمه وأثره ساتناول جانب من جوانب دعم هذه المنظمات لقطاع التعليم، ولعل هنا أثمن عاليًا دور وزارة التعليم ممثلًا في الإدارة العامة للمسؤولية المجتمعية والعمل التطوعي في نجاح خطواتها العملية في تمكين هذه المنظمات غير الربحية، خاصة العاملة في مجال التعليم والتي تبلغ قرابة ١٨٢ منظمة ويأتي في مقدمتها العمل على دعم نمو القطاع غير الربحي في التعليم.

ولإنجاح هذه التجربة النوعية في تمكين هذه المنظمات تعمل الوزارة على إنشاء مركز لتطوير خدمات القطاع غير الربحي التعليمي يتضمن مرصد للتنمية المجتمعية يقوم بمهمة تحديد الاحتياجات التنموية، ومعمل للابتكار الاجتماعي في قضية التعليم يقوم على تصميم وابتكار المشاريع التنموية ومكتب لإدارة المشاريع التنموية، ومركز لقياس الأثر التنموي وآخر للشراكات المجتمعية، وأخيرًا حاضنة ومسرعة الأعمال الاجتماعية تحتضن المبادرات والكيانات التنموية.

وهنا أسوق عدد من التجارب النوعية للقطاع غير الربحي التي وقفت على طبيعة ومنهجية إدارة أعمالها أثناء زيارة للولايات المتحدة الأمريكية مؤخرًا حيث شاهدت في عدد من المدارس التعليمية والجامعات التي زرتها سواء في مقاطعات أو ضواحي قريبة من واشنطن العاصمة أو ولاية يوتا وكذلك ولاية إنديانا وولاية لويزيانا، حيث اطلعت على نماذج عملية وشاملة لدور المراكز المجتمعية في تلك المدن ونوعية الخدمات التي تقدمها خاصة لطلبة المدارس والجامعات، ومقدار المعالجات التي تقدمها تلك المراكز المجتمعية في تجسير الفجوات الاجتماعية والثقافية بين مختلف السكان، وأهمية الشراكات والإستراتيجيات المجتمعية التي تعزز الأنشطة التطوعية مما ينعكس أثرها على طلبة المدارس والجامعات. وعلى سبيل المثال ما عشته يومًا دراسيًّا كاملًا في زيارة لإحدى المدارس التي استفادت من خدمات المراكز المجتمعية بذات المدينة التي تقع فيها، حيث يتم تخصيص مقر خاص للمنظمة غير الربحية داخل المدرسة، ويتم العمل على تجهيز المقر بكامل الأدوات والوسائل التي تساهم في تنفيذ البرامج. وهذا الدور تقوم به المنظمة ذاتها حيث تستقبل احتياج المدرسة وطلابها ومعلميها وتقوم بتحديد فريق العمل لديها للقيام بتنفيذ البرنامج الذي تحتاجه المدرسة بتنسيق مع الشركاء في المجتمعات المحلية لدعمه وينفذ البرنامج خلال اليوم الدراسي وفق المدة المقررة التي تحددها المنظمة بالتنسيق مع إدارة المدرسة، سواء برامج تخصصية في البرمجة الرقمية أو برامج في التنمية الذاتية أو برامج في دعم القدرات الإبداعية والابتكارية أو برامج تتعلق بالصحة البدنية أو برامج في تنمية الحس الإبداعي في الرسم والفن التشكيلي، حيث يخصص غرف للرسم مزود بها كامل الاحتياجات ويقف عليها مختصون في الفن التشكيلي كل حسب تخصص المنظمة التي تعمل فيه وحسب احتاج وطلب المدرسة بل وجدت هناك فريق يقوم بتنفيذ برامج ما بعد المدرسة خاصة للطلبة المتأخرين دراسيًّا ولديهم ظروف أسرية قاهرة لمتابعة مستواهم الدراسي والتحصيل المعرفي ومساعدتهم في حل واجباتهم اليومية.

و‏في زيارة لإحدى مدارس ولاية لويزيانا أعجبت بفكرة جميلة جدًّا حيث يتم تدريب الطلاب على تعزيز التعبير الإبداعي من خلال الراديو العملي (البودكاست)حيث يقوم الطلاب بتحويل الشاشات إلى أدوات للتعبير عن الذات ويتاح لهم بث مباشر عبر محطة الإذاعة بالمدينة كل يوم أربعاء الساعة العاشرة صباحا مما ينمي لديهم الشغف ويبني لديهم الشعور بالثقة .

لهذا اتمنى أن يكون للمنظمات غير الربحية العاملة لدينا في بلادنا الغالية حضورًا قويًا واثرًا فاعلًا على البيئة التعليمية، وأن يكون للمدارس ضمن رحلة تمكينها حاليًّا دور في اختيار احتياجها من تلك المنظمات غير الربحية سواء في جوانب تقنية إثرائية صحية أو تنمية القدرات الإبداعية وتعزيز ثقافة الابتكار والموهبة وغيرها من البرامج والمبادرات التي تعزز القيم الوطنية وترفع حس المسؤولية. ويتم التعاون معها والتنسيق لتنفيذ برامجها التي تحتاجها المدرسة ويكون ضمن اليوم الدراسي حسب الخطة التعليمية، ويكون داخل بيئة المدرسة وبذلك نحقق الأثر الاجتماعي والتنموي من هذه المنظمات. كما أن تعزيز الشراكة مع المنظمات غير الربحية لدعم وتنفيذ البرامج التعليمية والمجتمعية تعلب دورًا رئيسًا في تقديم الدعم المالي والتنموي وتوفير الموارد اللازمة لتحسين جودة التعليم في مختلف المناطق سائلًا الله التوفيق للجميع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى