
فؤاد الحمود
تُعد منظومة التشريع الإسلامي أكثر الأنظمة كاملاً في جميع جوانب حياة الإنسان، فهي تحفظ له حقوقه الواجبة سواءً التي عليه أو مع أفراد مجتمعه.
ومن تلك القوانين والتشريعات قاعدة فقهية وقانونية؛ وهي بالاختصار أن الشخص الذي يُعطى أمانة ولا تقتصر على المال؛ بل كل ما يدخل في هذه الدائرة لا يكون مسؤولاً عن هلاك أو تلف تلك الأمانة إلا في حالتين، وهما: التعدي أو الإهمال.
وخلاصته أن يد الأمين هي يد أمانة وهو مصدق بيمينه في دعوى التلف أو الضياع بشرط عدم التعدي أو الإهمال.
وللتشريع حكمته في تشجيع الناس على التعاون وحفظ أمانات بعضهم بعضاً، بدون خوف تحمل مسؤولية ما لا يد لهم فيه.
وحيث أن بعض الناس يتصورون أن المؤتمن يجب عليه تسليم الأمانة على كل حال، وذلك ربما لقلة اطلاعهم ومعرفتهم بالأحكام الشرعية، مع أن الفقهاء ينصون في رسائلهم العملية على وجوب تعلم الأحكام الشرعية ليتمكن المؤمنون من أدائهم للتكاليف الشرعية بشكلها الصحيح.
ومع أن بيان الأحكام من وظيفة العلماء ولست منهم، لكن باعث هذه الكلمات أنه وقعت حادثة أخذت منحىً غير مناسب بين أخوين مؤمنين يُتصور أن كليهما على اطلاع بالأحكام الشرعية بل إن أحدهما من المتزيين بزي رجال الدين.
هذه الواقعة جعلت لزاماً عليَّ)ة بيان الحكم الشرعي -من باب التنبيه لأفراد المجتمع بلا استثناء- بأنه في حال استلام أمانة من شخص أن تخبره بأنها خاضعة للموازين الفقهية.
حيث أن من مجرد إعطاء شخص أمانة يكون لازمها أن المعطى أمين، وإلا ربما عُدَّ المعطي مفرِّطاً، كونه سلمها في يد غير الأمين؛ ولا سيما إذا كانت بينهما معاملات سابقة، سواء له أو لغيره ولم يعهد منه التفريط.
ولكن وللأسف وبعد الصداقة الممتدة لأربعين سنة، والتي كان يأتمنه حتى على بعض أسرار أسرته الخاصة، لتتحول تلك العلاقة بعد فقد الأمانة والثقة، بين عشية وضحاها أصبحت تلك العلاقة إلى اتهامات تارة بالتفريط وأخرى بالسرقة.
وتتحول تلك العلاقة والأخوة إلى عداوة، ويبدأ معها السعي الحثيث في تشويه صورة المؤمن المؤتمن، وبكل ما أوتي من قوة بين المؤمنين، منكرَاً للمعروف والجميل الذي دام أربعين عاماً، ومجازاته بالبحث عن سقطات وأخطاء أخيه ولو سماعاً وكذباً من أجل حفنة من المال.
متناسياً ما ورد عن أهل البيت عليهم السلام من وجوب حفظ الأخوة ورد ما يشاع عنه، ولعله نسي أن ينظر بما أخبر به صادق أهل البيت عليهم السلام في قوله: “أبعد ما يكون العبد من الله أن يكون الرجل يواخي الرجل وهو يحفظ عليه زلاته ليعيره بها يوما ما”
فمثل هذه الحوادث التي تقع بين الإخوان؛ حري بنا أن نعتبر بها ولا نقع في مثلها، وما أحوجنا أن نتذكر كلام أمير المؤمنين عليه السلام حيث ورد عنه “أعجز الناس من عجز عن اكتساب الأخوان، وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم”.




