أقلام

ناجِح ومُنتج

أمير الصالح

كان لدي حلم كبير مفاده إعادة استنساخ نسيج المجتمع المتآلف كما كان في عصر المدن والقرى ما قبل عصر الصناعة النفطية حيث التآلف والتعاون والتكامل والاندماج والانصهار والبساطة والمودة وحسن الجوار. وأطلقت مبادرة رمزية بمسمى ” فريج الطيبين ” في حضور مجموعة أحبة وأصدقاء وجيران من جيل X . ولقيت المبادرة ترحيبًا وإشادة ممن حضروا في حفل التدشين والدعاء بالتوفيق. إلا أن المبادرة لم تستمر لعدم نجاح احتضانها خارج نطاق مكان انطلاقها.

التعويل على…

كنت شخصيًّا اعول على دور العبادة

كحاضنة في تجذير ثقافة التآلف والاندماج والانصهار والأخوة والمودة بين أبناء الأحياء والمدن الجديدة، إلا أن غالبية -وليس الكل- من المساجد ودور العبادة تتمحور أطروحاتهم حول طرح المسائل العبادية الفقهية وتسليط الضوء على أحداث تاريخية معينة دون ربطها بالواقع الذي يعيشه الإنسان المعاصر. وهناك استثناءات. نعضد ونرحب بالدور الذي تقوم به دور العبادة والمساجد وأتمنى أيضًا أن تركز تلم الغالبية من دور العبادة والمساجد على تجذير فقه المعاملات والسلوك المحمود والانصهار الاجتماعي واستنساخ التجارب الاجتماعية الناجحة ومفهوم التكامل والتجانس. وإيمانًا بالآية القرآنية الكريمة (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم). يبقى الإنسان هو الركيزة الأولى لصنع الأفضل، وبالتالي المجتمع.

” فريج الطيبين ” و ” أيام الطيبين ” عبارات تنم عن حنين لماض وادع وجميل ومستأنس به حيث التسامر والتعاون والأريحية والاحترام والوقار وعلوم الرجال والتكاتف وتناقل أخبار الفرص المتاحة للعمل والاسترزاق ومواطن التعليم الأفضل ومناطق الاستجمام النظيف ومد جسور التناسب العفيف.

الأمل

شخصيًّا اؤمن بأنه يجب استنقاذ ما يمكن استنقاذه في أية مرحلة من مراحل عمر أي مجتمع بشري، وعدم الإمعان والإسهاب في شتم الظلام بل إشعال ولو شمعة واحدة في ظلام العتمة. والأمل هو رؤية الضوء في آخر النفق ولو لم يره الآخرون في حينه. وشخصيًّا أؤمن بأن هناك خاتمة طيبة لكل فرد ومجتمع يروي شجرات الخير في جنباته عبر نشر العفة والتجارب الناجحة والصلاح والسلوك الحسن وإن أخفق في مرحلة ما أو اسودت الدنيا في عيون البعض وتسلل اليأس لقلوب البعض الآخر سواء في العالم الواقعي أو الرقمي. وشخصيًّا أنصح بإعادة نشر وتدوير قصص المواقف الطيبة لأبناء المجتمع التي تجذر الفضيلة وروح العز والكرامة والأخلاق الفاضلة؛ وتفادي نقل ونشر قصص الخزي والعار والانفلات الأخلاقي إلا إذا كان نقلها لأهل العقل الرصين بهدف التحذير من فاعلها ومرتكبها لتحصين الناس من الوقوع في الرذائل أو التعرض للنصب والاحتيال، أو التحصين من التضليل والضلال.

عظمة دون لحمة

البعض من الناس بمجرد أن تُرمى له بقايا عظمة وليس بها أية لحمة ينقلب على أعقابه ويتنكر لأصله وينكر الجميل ويمحق كل صفات الخير من إنسانيته ويتمادى في ظلم الأقل حظًّا منه في الدنيا ويتنمر على بني جلدته ويسعى في الأرض فسادًا ويكون للأشرار مطيعًا. كل هذا وذاك من صنوف تكشير الأنياب سعيًا وتملقًا منه لمن رموا له العظمة أو إرضاء لغرور نفسه ولنزوات عابرة وعجرفة طاحنة. فنرجوا من أولئك الأشخاص أن يراجعوا أنفسهم فإن الدنيا دوارة، وأن يستثمروا صلتهم لإحداث الأثر الطيب وتسهيل أمور الناس، فلا مال ولا صحة ولا مركز وظيفي ولا نفوذ ولا معارف بأهل نفوذ ولا قوة جسد تدوم؛ ولكن السلوك الحسن والمواقف الطيبة والأخلاق والآثار الطيبة والأعمال المحمودة هي ما يتناقله ويتادوله الناس عن الإنسان الطيب حتى بعد رحيله، والعكس صحيح.

ناجح ومنتج

كم طالب وخريج نجح في استحصال شهاداته ولكن البعض لم يتوظف بعد تخرجه والبعض الآخر قد يكون موظفًا ولكنه مهمش أو غير منتج بتاتًا. نقول للناجحين بأن المسار في الحياة لا ينتهي بالحصول على شهادة وإنما يبدأ بالإنتاج والإبداع والابتكار والتطوير. فأرجو من الشباب الخريجين ولا سيما الجدد أن لا يؤطروا أنفسهم في نطاق تحصيل شهادة من معهد أو جامعة ثم الانتظار للوظيفة؛ فقد يطول الانتظار لعدة شهور أو سنين وقد لا يطول. فإن استشعرت أيها الخريج بأن سوق العمل ومحللي السوق يقولون بطول الانتظار، عليك إيجاد مربع الإنتاج المناسب لك حتى لو كان خارج اختصاص شهاداتك الأكاديمية لكيلا تحترق ويمضي الوقت دون إنتاج. ولا يكن محور البحث عن رزقك منصبًّا على المواقع الرقمية. فقد يكون أحد أبناء مجتمع الطيبين وسيلة للوقوف على جديد الفرص.

اتذكر قبل أكثر من ثلاثة عقود، اقترح عدد من الأكاديميين وضع لوحة إعلانات بمداخل دور العبادة تدرج إعلانات الوظائف المتاحة في حواضر المدينة والمدن المحيطة، وهذه اللوحة تكون أسوة بلوحة إعلانات أسماء المرضى وأماكن وأوقات الزيارة، وأسماء الموتى في المدينة أو الإقليم أو الولاية مع مكان انعقاد المأتم وأوقات استقبال المعزين. فالجميع يحب الحياة ويجب أن نهتم بالأحياء كما تهتم الغالبية بالأموات.

ختامًا

العالم الرقمي حيث الجوجلة google it ، أزاح روح التواصل الواقعي للأفراد حيث نسيج خيوط المجتمع المنشود، فأضحت الغالبية تنفرد بالجلوس مع جهاز الجوال لعدة ساعات بشكل يومي، ويتسامر فيه مع أشخاص رومان وطليان وآسيويين حول العالم، ويستأنس بلعبة رقمية ونكتة في الانسجرام ومعلومة في اليوتيوب وتعليق في تيك توك؛ ومع الأيام يبتعد ذلك الشخص أكثر فأكثر عن مجتمعه الواقعي. ونقول كل هذا التواصل في العالم الرقمي لا يعني أن يعتزل الإنسان مجتمعه الواقعي ولا يعني أن يعدم جسور الوصال بهم. فالمجتمع الطيب يبدأ بك وينتهي بك فكن عضوًا فعالًا في مجتمعك، ولا تكن ممن يحن للماضي بقول ” أيام الطيبين ” ولا يسعى مخلصًا لزرع بذرة “فريج الطيبين “.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى