أقلام

أم البنين (ع) مدرسة القيم

السيد فاضل آل درويش

هناك شخصيات كُتبت أحرف أسمائها بالذهب لما جسّدته من مواقف متألقة ورائعة، ووضعت بصماتها الواضحة في التاريخ الإنساني عندما تجلّت منها الحِكم والكلمات النيرة، الدالة على النبوغ الفكري وتوجيه مدركات العقل نحو رسم معالم التكامل والرفعة، وكذلك المواقف العملية هي تطبيق لمدرسة القيم والأخلاق الفاضلة وشذرات الإنسانية النبيلة، والسيدة أم البنين (ع) من تلك الشخصيات التي تجلّى فيها معاني الإيمان الراسخ والعلاقة الحقيقية بالله عز وجل، فهذا الإيمان لا ينحصر بالجانب النظري بالاعتقاد بأن مدبّر شئون العباد هو الله تعالى في مسار السراء أو البلاء والمحن، ولكنه إظهار التجلّد والثبات في ميادين الحياة عند مداهمة عواصف الزمن والظروف الحياتية الصعبة، ولسنا نرى شخصية واجهت مصيبة فقد الأبناء كأم البنين (ع) فكانت عصية على الانكسار وبعيدة – كل البعد – عن القنوط من رحمة الله تعالى، كما تكشف مواقف التضحية والعطاء عندها (ع) عن الوعي الرسالي الذي امتلكته وطبّقته في المواقف المختلفة، ووسام الشجاعة والإقدام كان أحد المواقف والمنطلقات التي أفرزها جانب الرشد والنضج العقلي عند هذه الشخصية المقدامة، فحين تغيب عن ساحة الفكر والقيم الإنسانية النبيلة مباديء العطاء والتفاعل الوجداني تطل المصالح الضيقة برأسها البغيض في ساحة المواقف والعلاقات، وأما هذه المرأة الفاضلة فترشدنا إلى تهذيب النفس واستئصال جذور الأنانية وتأليه الذات، كأحد أهم المباديء في صناعة شخصية الإنسان وهو التحرّك وفق خُطى مدروسة، فالمجد والعلياء الحقيقية لا تُنال بكلام كفقاعات هواء متصاعدة بل تُستحصل بالبذل والتضحية في سبيل إرساء القيم العليا وتحمّل المتاعب في هذا الطريق.

كما تعلّمنا هذه المرأة المؤمنة والعارفة طريق اتخاذ المواقف والقرارات المبنية وفق قيم القرآن الكريم والدين الحنيف، إذ هناك من يتحرك وفق العواطف المتأججة والانفعالات الآنية والمغيبة للعقل الواعي التي لا ينجُم عنها إلا التخبُّط في الخُطى والقرارات والمزيد من الضياع.

المجد الحقيقي في مدرسة أم البنين (ع) هو نِتاج وثمرة العمل الدؤوب والمثابر في طريق الخير والصلاح، مجد يصطبغ بألوان الصبر وتحمل المتاعب وبذل التضحيات في سبيل تحقيق المكانة العالية، لقد أدركت أمّ البنين (ع) أنّ طريق الكرامة محفوف بالمشقّات، وأن من يطمح لرفعة الروح وسمو المكانة عند الله تعالى لا بدّ له أن يتحمّل الصعاب ويواجه النوائب بشجاعة قلب لا يتزعزع، ولذلك صارت مثالا للمرأة التي تتقدّم نحو المخاطر بثبات وتواجِه المحن بروح المؤمن الواثق بوعد ربّه، لا تلتفت إلى مكاسب الدنيا الزائلة بل تسعى لتحقيق الشرف الأبدي، فالبطولة لديها لم تكن مجرّد موقف عابر لا يعبّر عن مكنون النفس، بل كانت فكرًا واعيًا وسلوكًا وممارسة تطبيقية على أرض الواقع .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى