
أمير الصالح
(هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُورًا) سورة الإنسان، آية 1، مطلع عظيم لسورة كريمة في كتاب جليل القدر . أفكار الإنسان وهويته وكلامه وخياراته ومصاديق سلوكه هن أفضل ترجمه لحاله واستقراره واتزانه. شخصيًّا أكون سعيدًا عندما أرى أشخاصًا متصالحين ويسعون في رضا الله؛ والعكس صحيح.
أتشرف بأن أكون أنسانًا مسلمًا مُحبًا لدين الله وكلامه ومتبعًا لهدى نبينا محمد (ص) وتوصيات آل محمد (ع) قدر الاستطاعة. وأستمتع بين الحين والحين بقراءة متمعنه للقرآن لفهم بعض الآيات القرآنية الكريمة فهمًا صحيحًا ومنطقيًّا ومتناسقًا وحضاريًّا ؛ وأسعى أن أترجم تلكم القراءة بالسلوك السوي والانضباط قدر المستطاع.
في ليالي الشتاء الطويلة، تتهيأ لي أحيانًا بعض الأوقات لولوج مراحل متفاوته من الصفاء الذهني والعروج الروحي من خلال الانعزال الروحي وقراءة بعض السور القرآنية قراءة تدبرية متأنية. ومن مشاهد ذلك التدبر والتأمل والتمعن مع الإقبال القلبي هو الآية المباركة (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) سورة الإنسان، آية 2 ، لتضمنها أمورًا ملفتة. ورود عبارة (نبتليه) تأتي كاختبار تمحيصي لكل إنسان ومحور التمحيص والفرز للعنصر البشري هو تمييز الطيب والخبيث. إن خلق حواس كحاسة السمع وحاسة البصر (سميعًا بصيرًا) للإنسان كمدخل للمعلومات عناصرًا رئيسًا لاستيفاء ملكات تشكيل الأفكار وصقل الخيارات في هذه الأرض. وترجمان ذلك التمحيص، بأن يكون الإنسان بعد بلورة أفكاره وتشكل شخصيته وسلوكه من خلال ما رآه وما سمعه واستساغه، فيكون بعد أذ (إِمَّا شاكِرًا وَ إِمَّا كَفُورًا) سورة الإنسان، آية 3.
مفسرو القرآن المسلمين بالمجمل ولا سيما أتباع مدرسة آل البيت النبوي الشريف بالخصوص يفسرون هذه السورة على إنها إبراز لتجليات الإنسان في ذروة الخير وذروة الشر، والسورة تتويج أنموذج الإنسان الشر من جهة وأنموذج ذروة السمو الإنساني الشاكر لله والمتمثلة في آل محمد (ص) من جهة أخرى. وقد وثق القرآن خبر تصدق آل محمد (ص) بالطعام لفئات ثلاث (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) على مدى ثلاثة آيام متوالية من خلال تسجيله في القرآن الكريم. ولله در ميزان تلكم الأرغفة في ميزان الله العلي الكريم. تصدق آل محمد (ص) أمر في غاية الإحسان والمروءة والكرم والتتويج أتى من الله. حالة الشكر الموثقة ( إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُورًا) هي مصداق إنساني رائع لكرم البذل ونقاء العطاء. والآية واردة كمنقبة من مناقب آل محمد (علي وفاطمة والحسن والحسين) ومُسطرة على جبين الزمان ودين يُؤمن به وثناء يستحق التأمل وقدوات تستحق الإشادة والاقتباس وقرآن يُتلى ليل نهار.
من وجهة نظري، الإنسان يكون شاكرًا بعدة أنماط، تارة بذكر النعمة وتارة بالثناء على المنعم وتارة بالصدقة وتارة بتبني مبادرة طيبة تخدم المجتمع وتارة بإطعام الفقراء. إلا أن المتاح للجميع تنفيذه من أدوات الشكر لله ودون تكلفة مادية هو طراوة اللسان بذكر التكبير والحمد والتسببح لله جل جلاله. ولعل نافلة التسبيح الوارد في الخبر على أنه تسبيح الزهراء والمروي أنه نحلة علمها رسول الله (ص) لابنته وفلذة كبده فاطمة الزهراء أمر يستحق التأمل. فأصبح تسبيح الزهراء لزمة من لوازم أهل الشكر لله. ولعل من الحسن والجميل حسن التعاهد والالتزام بالتسبيح لله.
قد يفتقر البعض للموارد المالية للتصدق بها؛ وقد يعجز البعض عن تشخيص من يستحق الصدقة؛ وقد يمر البعض بمطبات مالية؛ إلا أن المؤكد أن جميع الناس قادرون على شكر الله والثناء عليه عبر التسبيح والحمد والتكبير، كما كانت فاطمة الزهراء (ع) تفعل، حيثما حلوا وارتحلوا. (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) سورة الإنسان، آية 25 فبعد ذاك حتمًا يكون الإنسان بفضل الله وكرمه شيئًا مذكورًا ومخلدًا، من بعد ما كان في حين من الدهر لم يكن شيئًا مذكورًا.




