مُرديات الهوى

أمير الصالح

” الهوا هواي. ابنى لك قصر عالى

وأخطف نجم الليالي، وأشغل لك عقد غالي، يضوى أحلى الصباي. أنا الهوا هوايا هوايا”.

…كلمات اغنية غناها العندليب الراحل عبد الحليم حافظ، إلا أنه لم يتم سؤال العندليب كم هوى وقع في غرامه وما نوعه وكيف نجى من كل ذلك بسلامة؟

لنا ان نستوعب كمجتمع محافظ أن هناك هوى محمود وهوى غير محمود العاقبة. الهوى المحمود يتوائم مع حفظ كرامة الإنسان واتزانه ومراعاة مشاعره وعقله وماله وحريته وانتمائه لله. والهوى غير المحمود يستنزف مشاعر صاحبه ويقتل كرامته على سفوح جبال الشهوات ويخنق بقايا مروءته في وحول الانغماس بالخيانة تارة وبالرذيلة تارة أخرى. عدد قنوات نشر الرذيلة الرقمية تجاوز عدة ملايين من القنوات الرقمية، وعدد البرامج التلفزيونية ذات الأفكار المشبوهة تجاوز عشرات الآلاف، وعدد الأفلام الساقطة المُنتجة سنويًّا حول العالم تجاوز …مليون سنويًّا بمعدل مروع باليوم الواحد وعدد المغردين بالمقاطع الساقطة الفاجرة لامس أرقامًا فضائية، فضلًا عن رسائل الإيحاءات والإيماءات الشهوانية المبتذلة.كل ذلك بسبب عبدة المال والشياطين ممن يحصدون ما يربو على ٩٧ مليار دولار سنويًّا في دولة عالمية واحدة، في صناعة تجاوز مردودها المالي حسب بعض التقديرات تريليون من الدولارات في دولة واحدة. كل ذلك التسونامي من الرذيلة موجه في الغالب نحو الشباب/ الفتيات (١٨-٢٤) بطرق مختلفة وأساليب ملتوية وتحت مسميات جذابة متنوعة، لا بل استخدم الخُبثاء تطبيقات الذكاء الصناعي في العالم الرقمي والفضاء السيبراني والتسويق التجاري ومزارع الجوالات للمراوغة والسيطرة وإسقاط أكبر عدد من الضحايا في شبكات التشرذم والمجون والخلاعة والرذيلة وغسيل الدماغ وخفس الفطرة وطمس الغيرة المحمودة عبر اللقطات الماجنة بسيناريوهات مشوقة. فالنجاة من كل تلكم الترندات والأفلام و اللقطات reels والقنوات تحتاج إلى جهود متظافرة من كل أبناء المجتمع الأوفياء، وتبدأ بالنفس وبالتربية وتزكية النفس ومراقبة الذات، مرورًا باحتضان البيئة الاجتماعية لأفرادها وحسن الوعي وتحبيب آداب الحوار والزهد عن المنكر ودفع الشبهات والابتعاد عن أهل الفسوق ومصاحبة أهل الأخيار.

آخر الاحصاءات تشير إلى أن:

١- أول تعرض لمشاهد إباحية تتم دون تعمد وعبر مقاطع مدسوسة للأطفال مابين ٦-١٢ سنة سواء عبر مسلسل كرتوني، أو لقطات ضمن فيلم من المفترض أن يكون عائليًّا.

٢- نسبة ٧٣٪؜ من المراهقين يُستدرجون للعالم غير الأخلاقي ونسبة ٤٥٪؜ منهم يُضللون بغطاء مسميات ثقافة جنسية تعليمية

٣- بعض الدراسات الأكاديمية تفيد بأن الإباحية سبب من أسباب فشل زيجات المتزوجين وبنسبة خمسين بالمائة (50٪؜)!

٤- منذ عام ٢٠١٩، فإن deepfake لعب دورًا كبيرًا في صنع وترويج ونشر الرذيلة المصطنعة عبر تطبيقات وخوارزميات، منها تلصيق صور أشخاص أسوياء وصلحاء في أوضاع مخلة بالعفة، فتنطلي الحيلة على الجهال وتنهدم صور القدوة وتتسع بقع الرذيلة.

٥- ضحايا تلكم الممارسات غير الأخلاقية، والتي تم نشرها في الفضاء الرقمي في ازدياد حسب تقارير منظمة أطباء علم النفس الأمريكية.

هناك أيضًا دور للذكاء الصناعي، لم يعد خفيًّا على العقلاء، في استدراج الإنسان السوي بإثارة فضوله لمقطع عابر، وبعد أن تشك صنارته بناء على الرصد الآلي للفترة الزمنية المستهلكة لتصفح موقع ما، تبدأ تطبيقات الذكاء الخبيث في زيادة جرع الإغراق تدريجيًّا حد الثمالة والإدمان لذلك الإنسان.

شخصيًّا ارفع القبعة:

– لكل أب وأم بذلوا جهودهما في توجيه أبناءهم واحتوائهم وتحصينهم.

– لكل شاب وفتاة سعى ويسعى لتزكية نفسه وتجنيبها مواطن الرذيلة ومواقع الفسوق الرقمية وغير الرقمية.

– لكل مجتمع وقروب واقعي ورقمي لرفع منسوب الوعي والتقوى والصلاح والفلاح

– لكل إمام ومعلم ومربٍّ وخطيب ومُرشد اجتماعي ووجيه أيقظ ضمير الأبناء وحفزهم في مراقبة ذواتهم وتقوى الله حيثما حلوا وارتحلوا وزرع بهم حب الخير وتجنب الفسق وأهله.

ختامًا :

أصدرت إحدى الدول الاسكندافية قرارًا بمنع ولوج الشباب والفتيات دون ١٦ سنة لمواقع التواصل الاجتماعي، وحجبت الصين بعض التطبيقات للحفاظ على الجيل الصاعد من الفساد الأخلاقي والتلوث البصري. وسابقًا كانت بعض الدول تحجب مواقع في الإنترنت للحفاظ على الاستقرار النفسي والأخلاقي لأبناء المجتمع. والواقع أني أشد على يد تلكم الإجراءات وأنادي بتفعيلها، كما أنني أنصح بالمداومة على قراءة الاعتراف لله كما ورد في المقطع التالي من دعاء الصباح المنسوب لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، وكذلك مناجاة الشاكين للإمام زين العابدين، حيث الشعور الرائع تتسرب فيه نسمات الرحمة وتصحيح مسار النفس وتحفيزها للجوء إلى الله : “إلهي قلبي محجوب، ونفسي معيوب، وعقلي مغلوب، وهوائي غالب، وطاعتي قليل، ومعصيتي كثير، ولساني مقر بالذنوب. فكيف حيلتي يا ستار العيوب ويا علام الغيوب ويا كاشف الكروب. اغفر ذنوبي كلها بحرمة محمد وآل محمد يا غفار يا غفار ياغفار برحمتك يا أرحم الراحمين”.

المصدر

https://www.webroot.com/us/en/resources/tips-articles/internet-pornography-by-the-numbers?srsltid=AfmBOoqrzQahW1KhVgV_zKKimPfrcyIHH0N2ZfQr_N3SD6UGPpTi00So