لقاءات صحفية

كيف نحمي العربية من التراجع في عصر العولمة؟

دلال الطريفي : الأحساء

في اليوم العالمي للغة العربية، تتجدد الدعوة إلى استحضار مكانة اللغة العربية بوصفها ركيزة رئيسة للهوية والثقافة، وأداة فاعلة في بناء الفكر والوعي، لا مجرد وسيلة للتواصل أو مادة دراسية تقليدية.

وتؤكد أمل الحربي -معلمة لغة عربية في المرحلة الثانوية- أن ارتباطها بالعربية نشأ من الممارسة اليومية داخل الصف، حيث لمست أثرها المباشر في تنمية التفكير وصياغة الوعي لدى الطالبات، كما تشير إلى أن تدريس العربية أسهم في تطوير مهاراتها الكتابية وصقل أسلوبها، مبينة أن الاشتغال المستمر على النصوص يوقظ الحس اللغوي ويعمّق الوعي بالتعبير.

وتحذر الحربي من اختزال العربية في الحفظ، معتبرة أن أخطر التحديات تكمن في مناهج تفتقر إلى العمق والتطبيق، إلى جانب تراجع مكانة اللغة أمام اللغات الأجنبية، وانتشار محتوى رقمي ضعيف لغويًا وفكريًا، كما ترى أن الحل يبدأ بإصلاح المناهج وربط اللغة بالحياة والفكر والإنتاج، مع ضرورة رعاية المواهب اللغوية عبر مناهج عملية تُعلي من التدريب والممارسة، وتُعيد للغة بعدها الجمالي والوظيفي.

من جانبه، يروي حسام موفق،-أستاذ اللغة الإنجليزية- تجربته مع العربية التي بدأت عام 2008 بعد قراءته أولى روايات نجيب محفوظ، مؤكدًا أن التحدي الأبرز اليوم يتمثل في التركيز على الترويج والإعلان للأعمال الأدبية على حساب قيمتها ومحتواها الحقيقي، كما يشدد على أن تعزيز اللغة العربية يبدأ من الأسرة، عبر تعليم الأبناء في سن مبكرة، ما يستدعي رفع ثقافة الوالدين لغويًا ليكونوا حلقة وصل فاعلة في نقل اللغة للأجيال.

أما رقية العيسى -خريجة جامعة الملك فيصل تخصص لغة عربية- فتؤكد أن حبها للعربية وتخصصها فيها جعلاها أداة رئيسة في المجال الأدبي والتواصل الفصيح. وترى أن التحديات تتمثل في هيمنة اللغة الإنجليزية، خصوصًا في المجالات التقنية وسوق العمل والسفر، ما يستدعي تعزيز حضور العربية كلغة تخاطب أساسية بين العرب، والاعتزاز باستخدام الفصحى، مع التأكيد على أن تعلم الإنجليزية لا ينبغي أن يكون على حساب اللغة الأم أو مكانتها.

بدوره، يشير ماجد أعرج -دكتوراه في علوم اللغة العربية- إلى أن مزاحمة اللغات الأجنبية، ولا سيما الإنجليزية، تُعد من أخطر التحديات، في ظل غياب الاهتمام بالعربية في سوق العمل والمؤسسات التعليمية، كما يستشهد بتجربة بعض الدول المتمسكة بالعربية، حيث تُدرّس التخصصات الجامعية كافة باللغة العربية، مؤكدًا أن ذلك أسهم في تمكّن أبنائها من لغتهم، وهو ما يظهر جليًا في الإنتاج الثقافي والدرامي.

وتؤكد هياء الشريف -الحاصلة على ماجستير في الأدب والبلاغة والنقد- أن شغفها باللغة العربية بدأ من بوابة الأدب، بوصفه المجال الأوسع لاكتشاف جماليات اللغة وقدراتها التعبيرية، كما تشير إلى أن الأسرة والإعلام الثقافي أسهما في بناء وعيها اللغوي المبكر، عبر الاهتمام بالتراث، والصحافة الثقافية، والبرامج الإعلامية الهادفة.

وترى الشريف أن العربية تواجه تحديات متزايدة، أبرزها تراجع حضورها في الفضاء العام والإعلام الرقمي، وضعف المحتوى العربي الرصين، إلى جانب النظرة النفعية التي تختزل اللغة في بعدها الوظيفي، وتؤكد أن تعزيز مكانة العربية يبدأ من ممارستها اليومية في الحديث والكتابة، وحضورها في التعليم والإعلام والهوية الثقافية، بوصفها لغة فكر وهوية وإبداع، لا مجرد مادة دراسية أو مناسبة احتفالية.

ويجمع المشاركون على أن الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية ليس مناسبة رمزية فحسب، بل محطة للتأمل والعمل الجاد من أجل حماية اللغة، وتعزيز استخدامها السليم، وترسيخ حضورها في التعليم والإعلام والمجتمع، بوصفها لغة هوية وفكر وإبداع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى