
أمير الصالح
يستمتع ويتفاءل ويحرص الغالبية باستفتاح يومه عبر قراءة حكمة قصيرة ورصينة وسهلة الحفظ وقوية الدلالة ومهذبة للسلوك ومغذية للعقل والبصيرة ومحفزة لحياة أفضل، فالحكمة باختصار وضع الأمور في نصابها الصحيح، وهذا جُل ومحور وخلاصة القرارات الصائبة. مع تقادم الأيام والسنين، أخذت معظم الصحف الرقمية والورقية ومنصات البحث الإلكترونية بإدراج ” جملة اليوم – Quote of The Day “. هل تساءلت يومًا: لماذا حِكم فلان وجُمله وحتى مواقفه أصبحت مغمورة ومغيبة، وحِكم علان وأقواله وشعره وحتى تعابير وجهه أصبحت جدًا مشهورة ومحل جذب لأبناء الجيل الصاعد؟
الإعلام ركيزة
شأنا أم أبينا فإن الإعلام بكل صنوفه أضحى ركيزة رئيسة في نقل المعلومات وتمرير السرديات وتشكيل الأفكار وصياغة حدود ردود الأفعال وتعميق المفاهيم و …و.. إلخ.
أمر ملفت أن ترى شباب شغوف بالقراءة ولكنه منعدم الحكمة أو الاقتباس من أهل الحكمة. وإن وجد حكمة مخبأة في ثنايا كتاب من خلال قراءاته للكتب الصادرة من الشرق والغرب في الأدب العالمي طار بها فرحًا، ظننًا منه بأنه حاز كنزًا نفيسًا، ويغفل أو يتغافل عن بحور الحكمة في تراثه العلمي والأدبي والديني.
خذلان الأتباع
بعض الأتباع لحكيم ما أو لرسول ما أو لقائد تاريخي ما، يخذلونه بسبب فقر إنتاجهم أو كسلهم عن الكتابة أو سكوتهم عن التعليق بأدب وسلاسة وإقناع أو عدم ترويج سرديات وحكم قادتهم أو نتيجة لقمع تاريخي وقع على الماضين ممن يحمل القناعات ذاتها أو خذلان البعض للبعض تحت اسم رئاسة المشهد أو الأنانية المفرطة وحب الذات.
تجيير الحِكم وسرقتها
حتمًا ينذهل البعض ممن دأب على قراءة الحِكم بشكل شبه يومي على مدى سنوات، ينذهل مع طفرة عدم الأمانة العلمية في العالم الرقمي بنسبة أقوال حكيمة لأناس لم يُعرفوا بالحكمة ولا بالعلم ولا بالشجاعة وإنما عُرف عنهم التهور والغرور وعدم الأناة!! هذا التزوير التاريخي المتعمد هو ضمن نطاق المغالطات في السردية والأحداث والشخصيات والتضليل والارتزاق من قبل بعض الكتبة. وهذا العمل التخريبي هو مصداق عملي لنظرية ” اكذب … اكذب … حتى يصدقك الناس” وخيانة الأمانة العلمية، ولكون المعنيين بالانتاج العلمي الرصين تقوقعوا أو تخاذلوا أو حُجبوا أو لم يهتدوا للسبل الإعلامية الفعالة ولم يتصدروا في دفع الشبهات نتج وسينتج نسبة كبيرة من أبناء الأجيال القادمة غرباء في الهوية والانتماء والقدوة وضحلي المعرفة بالأمور.
الأثر يدل على المسير
الحكمة تكون أكثر مصداقية إن صدرت من أهل الحكمة والعلم والبصيرة الثاقبة والتقوى والشجاعة وأهل المواقف المحمودة. ولا يمكن أن نصدق أي إنسان مدعٍ بأنه حكيم لمجرد أن قال جملة موزونه الكلام أو نُسبت له أقوال تدل على معنى طيب وقد تكون مسروقة. وفي الوقت ذاته مسيرة حياة القائل مليئة بالفجور ومجالسة السفهاء والجرأة على محارم الله أو الطيش وعدم الأناة وقلة البصيرة والبخل والرياء وانعدام التوازن.
إنسان الحكمة له بصمات وآثار ومواقف مستقرة وواضحة وغير متقلبة ومطابقة للمبادئ ويستمد منها أبناء آدم المُثل والقيم والأنموذج الإنساني الراقي في التعامل مع كل مراتب المجتمع والمحيط والبيئة والشجر والمدر والحجر، وحتى العدو قبل القريب. شخصيًّا تعرفت من خلال القراءة لبعض حِكم النبي محمد (ص) في الأحاديث قطعية الصدور عنه، وتعرفت على بعض حِكم الإمام علي (ع) من خلال قراءة قصار الحكم الواردة في كتاب “نهج البلاغة ” وكتاب “ميزان الحكمة” ؛ فرأيت الصورة الناصعة لحقيقة الإنسان المؤمن الورع التقي الكريم الفطن الصبور الرحيم الودود الشهم الشجاع الشاكر البار. فخلد الله ذلك لمحمد (ص) وآل بيته فجعله قرآنًا يُتلى في سورة الإنسان (إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا) سورة الإنسان، آية 22.
الحكمة نعمة ومن أوتيها فقد أوتي خيرًا كثيرًا ،( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَ ما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ) سورة البقرة، آية 269.




