
د. حجي الزويد
يُعدّ شهر رجب من أعظم المواسم الروحية في السنة الهجرية، وهو أحد الأشهر الحُرُم التي عظّمها الله ورفع من شأنها. وقد اختصّه الله بخصوصية روحية واضحة، فجعل فيه بابًا مفتوحًا للتوبة، وميدانًا واسعًا للاستغفار، وفرصة ثمينة لمراجعة النفس والعودة إلى الله بصدقٍ وإخلاص.
رجب: شهر التهيئة والاستعداد
تتجلّى بركات شهر رجب في كونه شهر التهيئة القلبية والروحية لما بعده؛ فهو مقدّمة لشعبان، وتمهيد لرمضان. وفيه يُدعى المؤمن إلى تخفيف أعباء الذنوب، وتهذيب السلوك، وكسر حالة الغفلة التي قد تتراكم مع مشاغل الحياة، ولذلك ورد التأكيد على الإكثار فيه من الاستغفار حتى عُرف رجب بأنه «شهر الاستغفار».
الأعمال الصالحة وأثرها التزكوي:
ومن بركات هذا الشهر أن الأعمال الصالحة فيه لها أثرٌ خاص في تزكية النفس، سواء بالصلاة، أو الصيام، أو العمرة الرجبية، أو الصدقة، أو الدعاء، أو الإحسان إلى الناس. كما يُستحب الإكثار فيه من الصلاة على النبي وآله، لما لها من أثر في صفاء القلب وقبول العمل.
شهر رجب ومناسبات أهل البيت عليهم السلام:
كما يتميّز شهر رجب باحتضانه جملةً من المناسبات العظيمة المرتبطة بسيرة أهل البيت عليهم السلام، والتي تضفي عليه بُعدًا وجدانيًا وروحيًا خاصًا. ففيه مواليد مباركة لعدد من الأئمة الأطهار عليهم السلام، وهي مناسبات تُجدّد الفرح بالإمامة، وتستدعي التأمّل في معاني الهداية والاقتداء بسيرتهم الزاخرة بالقيم والعطاء.
وفي هذا الشهر أيضًا تحلّ ذكرى استشهاد الإمامين علي الهادي والإمام موسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام، بما تحمله من معاني الصبر والثبات على الحق، وتحمل الظلم في سبيل الله، لتكون هذه الذكرى مدرسةً أخلاقية تذكّر المؤمن بعمق الرسالة ومسؤولية الالتزام بها.
يوم المبعث وليلته: ذروة النور والرسالة
كما يضمّ هذا الشهر المبارك ليلة المبعث النبوي الشريف، وهي ليلة عظيمة الشأن، ارتبطت ببدء الوحي الإلهي ونزول أولى آيات القرآن الكريم، وتُعدّ من الليالي المشرّفة التي يُستحب إحياؤها بالعبادة والدعاء، واستحضار عظمة الرسالة ومسؤولية الاقتداء بسيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله.
ويبلغ شهر رجب ذروة نوره في يوم المبعث النبوي الشريف، اليوم الذي أشرق فيه نور الرسالة، وبُعث النبي محمد صلى الله عليه وآله رحمةً للعالمين، فكان نقطة تحوّل في تاريخ الإنسانية، وانطلاقة لمسيرة الهداية والتوحيد. ويُعدّ هذا اليوم من أعظم أيام السنة، حيث يجتمع فيه البعد الإيماني والتاريخي والتربوي، ويتجدّد فيه العهد مع رسالة الإسلام وقيمها الخالدة.
كما يضمّ هذا الشهر المبارك ليلة المبعث النبوي الشريف، وهي ليلة عظيمة الشأن، ارتبطت ببدء الوحي الإلهي ونزول أولى آيات القرآن الكريم، وتُعدّ من الليالي المشرّفة التي يُستحب إحياؤها بالعبادة والدعاء، واستحضار عظمة الرسالة ومسؤولية الاقتداء بسيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله.
البعد التربوي لشهر رجب:
وبذلك يجتمع في شهر رجب الفرح والحزن، والعبادة والذكرى، والرسالة والاقتداء، ليكون شهرًا متكامل الأبعاد، يوقظ الوعي، ويغذّي الروح، ويشدّ القلب إلى خط النبوة والإمامة في مسارٍ واحدٍ نحو الله تعالى.
كما يحمل شهر رجب بُعدًا تربويًا مهمًا، إذ يعلّم الإنسان مبدأ التدرّج في العبادة، فلا يدخل إلى شهر رمضان دفعةً واحدة، بل يتهيّأ له نفسيًا وروحيًا عبر رجب وشعبان. ومن هنا كانت بركته في أنه يصنع الاستعداد، ويزرع البذرة، ويوقظ الوعي قبل موسم العطاء الأكبر.
السلام الداخلي وإصلاح النفس:
وتتجلّى بركة رجب كذلك في كونه شهر السلام الداخلي؛ فهو من الأشهر الحُرُم التي حُرّم فيها القتال، في رسالة أخلاقية عميقة تدعو إلى تهدئة النفس، وكفّ الأذى، ونشر روح السكينة، وترك الخصومات، لتكون النفس أكثر قابلية للسمو الروحي.
خاتمة:
إن بركات شهر رجب لا تقتصر على كثرة الأعمال، بل في نوعية الحضور القلبي، وحسن التوجّه، وصدق النيّة. فمن أحسن اغتنامه، وجد أثره ممتدًا في قلبه وسلوكه، وذاق ثمرته في بقية العام. فهو شهر البداية لمن أراد القرب، ومحطة رحمة لمن أراد العودة، وباب أملٍ مفتوح لكل من قصد الله بقلبٍ حيّ، ومسارٍ مستمرٍ نحو النور والسكينة والاستقامة.




