
أشرف الأحمد
ذاتَ صباح، خرج المُعَلّى بن خُنَيس يسير متعثِّرًا إلى السوق، وقد تأخّر على غير عادته. كان غارقًا في هواجسه، فلم ينتبه إلى حفيد محمد ﷺ يناديه من قريب:
– «أغدُ إلى عزّك!»
قال المُعَلّى، وهو يبثّه لواعجَه:
– «هممتُ أن أدعَ السوق.»
فقال الصادق عليه السلام:
– «إذن يسقط رأيك، ولا يُستعان بك على شيء.»
– «يا سيدي! أردتُ أن أتفرغ للعبادة.»
فقال الإمام عليه السلام:
– «لا تدع التجارة فتهون… اسعَ على عيالك، وإياك أن يكونوا هم السعاة عليك.»
شعر المُعَلّى بأنّ الكلمات تنفذ إلى أعماقه، تعيد بناء ما تهدّم فيها من صروح وأعمدة. فمضى إلى دكانه، وشيئًا فشيئًا تناسى همومه، وقد غمرته ضوضاء السوق، فهنالك قافلة كبيرة محمّلة بالبضائع والمؤن، تستعدّ للمسير إلى بلادٍ بعيدة، حيث تُباع حمولتها بأضعافٍ مضاعفة.
مغزى القصة:
وصية الإمام الصادق (عليه السلام) للمُعلّى لم تكن مجرد حثٍّ على التجارة، بل كانت تنبيهاً إلى أن ترك العمل يُضعف العقل، ويُخدّر الهمّة، ويجعل الإنسان عالة على غيره.
فمن يتخلّى عن السعي، يبهت فكره، ويضمر عزمه، ويهوي رأيه، كما قال له الإمام: «يسقط رأيك، ولا يُستعان بك على شيء».
العمل ليس فقط معاشًا، بل هو صيانةٌ للعقل، ونموٌّ للنفس، وحفظٌ للكرامة.
والعبادة لا تكتمل إلا بسعي، كما أن التوكل لا يُغني عن الحركة.
فكن عبدًا لله في محرابك، وساعيًا إليه في سوقك.




