أقلام

ثقافة التبرير والأعذار الواهية

أمير الصالح

التقلب الجوي الذي عُرف بظاهرة ال نينيو El Niño و الذي ضرب بعض الولايات المتحدة عام ١٩٩٧- ١٩٩٨ م هو النبأ الاكثر ترديدا في معظم نشرات وكالات الانباء الامريكية حينذاك و على مدة اشهر طويلة. واتذكر عدد ليس بالبسيط من المفاكهات و الطرائف و التعليقات الساخرة التي شاركني اياها بعض الاصدقاء الامريكيون عبر عدة ولايات يومذاك للتهكم على اي اخفاق يحدث في الاقتصاد او الامن او حتى اخفاق بعض الطلاب عن اداء الواجب الدراسي او عند احتراق اطعمة احدهم عند اعداده للطعام ووضع اللوم على El Niño . لفتره غير قصيرة تم استغلال الاعصار و التقلب المناخي و الامطار المصاحبة لظاهرة El Niño لتقديم الاعذار و تجاوز المحاسبة و اسكات الالسن .
في وقتنا الحاضر يبرر البعض فشلهم او عدم تبنيهم للتغير الايجابي بالقول :

– هذا قدري .ماذا اصنع ؟
– معظم وقتي مهدور بين العمل و البيت ، فلا املك اي وقت ؟
– طبيعتي كذا
– مزاجي كذا . هل انت شريكي ؟
– هذا امر صعب جدا
– انا كبرت و اصبحت عجوز و متقاعد لا استطيع المواكبة
– هذا الرئيس يتقصدني من اول يوم . فمهما اصنع لن افلح معه
– هذا الامر سيأخد وقت طويل مني و انا مشغول
– انا متعود على كذا و لا احب اغير شي
– هذا الشي اللي تقوله مايوافق طبيعتي

و قائمة التبريرات تطول و تطول لدى البعض عند مواجهتهم بضرورة ادراج الاولويات الحاضرة و العمل على صنع الافضل منها .

دوافع التبرير تكون استرزاق الاحساس بالامان و تجاوز المحاسبة و تخطي العقوبة و الالتفاف حول اداء المهمات و تجنب المخاطرة و تفادي الانتقاد السلبي و جلب التعاطف . وتارة اخرى يكون التبرير للتلاعب بالمشاعر و الايعاز للاخرين للقيام بالمهمة بالنيابه عنه . و تارة ثالثة ، يُستخدم التبرير لرمي العتب على الاخرين و التنصل عن التبعات .

القاء الاعذار لتنصل عن المسؤولية فن يجيده البعض من الناس لاسيما المترفين و المدللين او ضعاف الشخصيات او خبثاء السريرة او بعض اصحاب السجلات السوداء . الا انهم و ان افلتوا لحظيا سيلاقون الجزاء و ان طال الامد . الفرار من مواجهة الحاضر بتحدياته باللجوء للماضي او اهمال المستقبل سيحرق فرص كبيرة مواتية .

اتذكر مقال قصير قرأته قبل عدة ايام يعزز روح المسؤولية الذاتية لكل كل فرد منا و يثبت ثقافة المصارحة مع الذات ، و اشارككم اياه هنا و هذا نصه اقتباسا :

*تأمل معي من فضلك*

*( فمن أبصر فلنفسه )*
الأنعام آية ١٠٤

*( من عمل صالحًا فلنفسه )*
فصلت آية ٤٦

*( ومن شكر فإنما يشكر لنفسه )*
النمل آية ٤٠

*( ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه )*
فاطر آية ١٨

*( ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه )*
العنكبوت آية ٦

*( فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه )*
الإسراء آية ١٥

*( ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه )*
محمد آية ٣٨

*( ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه )*
النساء آية ١١

*( قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ )*
الأنعام آية ١٠٤

‏من الآيات السابقة تتضح المسؤولية الفردية وتحمُّل نتائجها في أوضح صورة وأقوى عبارة في تأكيدها. نجاتي / نجاتك في دنياي / دنياك و يوم القيامة مشروع شخصي لن تؤاخذ على تقصير الناس معك ، بل ستُعاتَب وتؤاخذ على تقصيرك بحق نفسك*” انتهى النقل من النص .

وخلاصة الكلام:
ثقافة التبرير للتقاعس عن اداء الانجازات و التغيير للافضل امر يجب معالجته على المستوى الفردي و الاسري و الاجتماعي و اكبر . و لعل الآية الكريمة (كل نفس بما كسبت رهينه ) نداء كاف و واف لمن لديه قلب حي او يسعى لاحياءه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى