أقلام

تغير المشهد في زمن كورونا

لم يترك فيروس كورونا جانباً من جوانب الحياة اليومية إلا وأثر فيه بشكل أوبآخر، حيث امتدت تأثيراته إلى السياسة، والاقتصاد والعبادة، والرياضة، والحياة، الإجتماعية، والحياة الأسرية، والحياة الخاصة، وهي تأثيرات تـتـكشف تفاصيلها ومشاهدها كل يوم في أطراف المعمورة.

*إدارة الوقت:
كمثال على إدارة الوقت حكى أحدهم هازلاً قصة متداولة في بلاده، تقول إن طيارًا فرنسياً سقط في الصحراء، فصادف رجلًا يسافر على جَمَل فتعجب الأخير من مظهر الطائرة التي كان يراها للمرة الأولى، فأخبره الطيار أنها تستطيع أن تصل في يوم واحد إلى ما يصله جمله في شهر كامل؛ فتعجب الرجل وقال: وماذا سأفعل في التسعة والعشرين يوماً الباقية؟
ماذا سنفعل غدًا؟ سؤال الكل في حاجة للإجابة عليه مساء كل إجازة نهاية الأسبوع، ففي كل أسبوع يكون لدينا يومي جمعة وسبت مفتوحين، ونقصد بذلك التفرغ من أي مهام ضرورية، ولا نلتزم بوقت للاستيقاظ وتناول الطعام.
الآن صار السؤال يومياً، ومُلِحاً، ولا يحتمل التأجيل، ولا يكفي أن نحدد نشاطًا وحيدًا خلاله. فكثير من العوائل صارت حبيسة المنزل، ولا سيما بعد تعطيل الدراسة والأعمال ،والأنشطة العامة والخاصة.
إذن: علينا استغلال الوقت، فعلى سبيل المثال لا الحصر تحويل ركن من المنزل إلى صالة صغيرة أو منتدى ثقافي بيتي، واستغلال مكتباتنا لترتيبها، والقراءة والبحث والتأليف والتحقيق. أيضا تحويل ركن آخر إلى صالة رياضية، الآن وقد أغلقت كل الصالات، وقد فرض منع التجوال جزئياً، وربما غداً كلياً، فليكن من ضمن برامجنا الرياضة.
في منزلي قام ابني بشراء بعض الآلات الرياضية إضافة إلى ما كان موجوداً عندنا مسبقاً، فكَوّن صالة رياضية مصغرة يتدرب فيها بالرياضة السويدية والمشي. كما يمكن في هذه الفترة اكتساب بعض المهارات المنزلية، ومعاونة الزوجة، ولا ننسى أنها فرصة للتقرب إلى الأبناء أكثر وأكثر، ومساعدتهم في إنجاز مشاريع التخرج والبحوث المطلوبة منهم.
ويضع لنا الإمام زين العابدين عليه السلام هذه القاعدة في دعائه الجميل بالصحيفة السجادية:
يا مَنْ ذِكْرُهُ شَرَفٌ لِلذَّاكِرِينَ وَيَا مَنْ شُكْرُهُ فَوْزٌ لِلشَّاكِرِينَ، وَيَا مَنْ طَاعَتُهُ نَجَاةٌ لِلْمُطِيعِينَ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَاشْغَلْ قُلُوبَنَا بِذِكْرِكَ عَنْ كُلِّ ذِكْر، وَأَلْسِنَتَنَا بِشُكْرِكَ عَنْ كُلِّ شُكْر وَجَوَارِحَنَا بِطَاعَتِكَ عَنْ كُلِّ طَاعَة. فَإنْ قَدَّرْتَ لَنَا فَرَاغاً مِنْ شُغُل فَاجْعَلْهُ فَرَاغَ سَلاَمَة لا تُدْرِكُنَا فِيهِ تَبِعَةٌ وَلاَ تَلْحَقُنَا فِيهِ سَاَمَةٌ.
تأملوا كم هو جميل: فراغ سلامة لا تدركنا فيه تبعة ولا تلحقنا فيه سآمة.
وجاء في المثل: مصائب قوم عند قوم فوائد، فبينما في وقت نقضي فيه كل وقتنا في غسل أيدينا، يفرك مصنعو الصابون السائل أيديهم، في كناية عن ازدهار صناعتهم والربح الوفير الذي يحصلون عليه.
انظروا كيف يستغل هؤلاء أوقاتهم للاستفادة من الوقت لجني الأرباح وترويج منتجاتهم.

*العادات والتقاليد:
تداول مغردون في بعض البلدان مشهداً لعقد النكاح لعروسين بشكل مختلف عن المعتاد، حيث كان المأذون الذي تولى إبرام عقد النكاح يقف خلف باب بيته، والعروسان والولي والشهود وعدد قليل من الأقارب يقفون أمام البيت متباعدين، ومرتدين كمامات وقد لفت المشهد انتباه الكثيرين، فلا مصافحة، ولا جلوس في بيت أو قاعة أفراح كما جرت العادة. وتكرر المشهد مرة أخرى في منطقة أخرى، حيث نشر مغردون آخرون – من بينهم مصور- صوراً لزوجين بلباس فرحهما وهما يلتقطان صوراً في أماكن مفتوحة من دون وجود أحد معهما.
هذا الحال أيضا يتكرر في الجنائز بشكل يومي فلا تشهد مشيعين إلا المقربين، فلا سلام بالأيدي، ولا مصافحة، ولا مجالس عزاء.
هل أصبحنا في مشهد من مشاهد يوم القيامة؟!. يوم يفر الـمرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه. إنه فعلا موقف يحتاج للتأمل.
ومن طريف الشعر في هذا الباب للشاعر مالك بعيجان، وهو يحكي حالنا الآن:

الزم مكانك وأنا بلزم مكاني تكفى طلبتك لا تجـيني ولا أجيك
‏عـلة كورونا تـنـتـقل في ثواني وأنت وش يـدريك لو أنها فــيـك

‏ترى الـوقايه خير والعـمر فاني والعلم عند اللي يميتـك ويحيـيـك

‏عشانـك وعشان ذاك وعـشاني اخـذ الـوقـايـه جعل ربي يعـافـيـك

‏ما أنت بملزم في فـلان الـفـلاني واللي يـبي يغديك واللي يعشيك

‏لا تختلط بالناس قاصي وداني فتره بسيـطه، عـقبـها الله يحيـيك

*الحب في زمن الـكـورونا:
كـما أن لكـورونا أدبيات في المجال السياسي والأقــتصادي والإجـتـماعي، فإنه فرض أدبياته على العلاقات الاجتماعية والفردية كما أشرنا أعلاه، وأيضا فرض أدبياته على العلاقات الزوجية والحبية، وها هوالشاعر محمد أبو شادي يصور لنا حال المحبين في قصيدته (الحب في زمان كورونا):
قَاْلــَتْ لَه:ُ لَاْ تَـقْـتَـرِبْ
إِنّْـي أَرَاْكَ مُـــزَكّــمَـاْ

عَـيْنَـاْكَ تُـنْـذِرُ بِالْخَطَـرْ
وَالْأَنْـفُ تَرْشَـحُ دَاْئـِما

هَزْلَاَنُ جِسْمُكَ مُرْهَقٌ
أَصْبَحْتَ كَهْلًا مُرْغَمَا

هَـذِيْ كُـوْرُوْنَاْ أَقْـبَـلَتْ
فَارْحَـلْ وَلَاْ تَـتَـكَلّـمَا

اذْهَــبْ لِأُمّـكَ وَاهْـدِهَاَ
شَـوْقًا وَقَــبّـلْـهَا فَــمَا

نَظَـرَ الْحَبِـيْبُ بِحَسْرَةٍ
والْـوَجْهُ يَـبْـدُو شَاحِـبَا

ْعَـيْنَاهُ أَلْـقَتْ عَـبْرَةً
حُزْنًا عَلَىْ عَـهْـدِ الـصّـبَا

قَاْلَ: السّـلَام ُ عَلَىْ فَتًى
مَاْ كَاْنَ يُـعْـيِـيْه الْــوَبَا

قَدْ كُنْتُ صَقْرًا جَاْرِحًا
تَـهْـوَاْهُ آَلاْفُ الــظّــبَا

والْـيَـوْمَ كُـوْرُوْنَاْ أَتَتْ
مَاْ عُدْتُ سَهْمًا صَاْئـِبَا

وَمَضَىْ يُـهَاْتِـفُ صُحْبَهُ
يَرْجُـوْ الْكِمَاَمَةَ والـدَوَاْ

فَـتَـنَـكّـرُوْا وَتَـهَـرّبُوْا
أَدْمَىْ الْـفُـؤَادُ بِمَنْ هَوَىْ

قَاْلَ: الْـوِصَاْلُ مُفَاْرِقِيْ
والْقَلْبُ يُضْنِيْه الـنَـوَىْ

حُزْنًا عَلَىْ عَهْدٍ مَضَىْ
عَهْدِ الْخِدَاْعِ بِمَاْ حَوَىْ

كُـشِـفَ الرِفَاْقُ بِزَيْفِهِمْ
صَاْرُوْا وَدُوْنَـهُمُ سَـوَاْ

حَمَلَ الْحَزِيْنُ هُـمُوْمَهُ
وَإِلَى حَـبِيْـبَـتِه ارْتَحَلْ

حَيْثُ الْحَنَاْنُ يَحُوْطُهُ
وَيُشِيْعُ فِيْ الرُوْحِ الْأَمَلْ

وَمَـنْ سِــوَاْهَاْ أُمِّـه
تَـحْـنُوْ عَـلَـيْـه بِـلَاْ وَجَـــلْ

نَظَرَتْ إِلَيْهِ بِحَـيْـرَةٍ
وَالْقَلْبُ بِالشَوْقِ اشْـتَـعَـلْ

مَــدّتْ يَــدَيْهـَاْ نَحْــوَهُ
تَـوْقًا إِلَـيْهِ عَلَىْ عَـجَـلْ

وَالْعَـيْـنُ يَـكْـسُـوْهَاْ الْأَلَــمْ
فَـإِذَاْ بِـهِ يَــرْنُـوْ لَـهَاْ

وَتَـبَاْعَـدَتْ خُطْوَاَتُهُ كَالْـمُسْـتَـجِـيْرِ مِن الْـحِـمَــمْ

ذُهِلَتْ وَقَاْلَتْ: وَيْلَتِيْ
أَلِحِـضْـنِ أُمّـكَ تَـخْـتـَصِمْ؟

فَأَجَـاْبَـهَاْ: أَحَـبِـيْـبَـتِيْ
أَخْشَىْ عَلَـيْـكِ مِنْ السِـقَــمْ

إِنّيْ مُــصَـاْبٌ بِالْــوَبَاْ
بِالْـقُـرْبِ نَاْرٌ تَــضْـطَــرِمْ

قَـاْلَـتْ: وَمَاْلَكَ تَبْـتَـئِسْ؟!
لَاْ تَـرْكَـنَـنّ إِلَىْ الْـقـَلَقْ

فَــلِـكُــلّ سُــقْــمٍ بَـلْـسَـمٌ
وَاللهُ يَــرْحَـمُ مَــنْ خَـلَــقْ

وَصَـفَ الـدَوَاْءَ وَمَـاْ وَثِــقْ
وَأَتَى الطَــبِــيـْـبُ لِـتَـوّهِ

سَــهـِـرَتْ تُــطَـبــّبُ دَاْءَهُ
تَـرْقِيْ بِـآَيَـاْتِ الْــفَـلَــقْ

يَـوْمًا فَــيَــوْمًا وَالْـفَـتَىْ
نَحـْـوَ الـتَـعَـاْفِيْ يَــنْـطَـلِـقْ

والصّـبْـحُ أَقْـبَـلَ يَـبْـتـَسِـمْ الْــفَجـْـرُ لَاْحَ بِـنُــوْرِهِ

وَالْأُمُّ تَـحـْـمـَـدُ رَبّــهَاْ
سُــبْحـَاْنَ رَبّيْ ذِيْ الــنـّـعَـم

يَـدَهَاْ وَيَــصْـدَحُ بِالْـقَــسَـمْ
هَـمّ الصَـغِــيْـرُ مُـقَــبّـلًا

أَنْــتِ الـشّــفَـاْءُ مِـن الْأَلَمْ
مَاْ غَــيـْرَ حُــبّــكِ دَاْئِــمٌ

وَالْـعَـدْلُ أَنْــتِ لِـمَنْ ظُـلِمْ
الْـحُــبُّ أَنْــتِ رَبِــيْـعـُـهُ

اذْهَـبْ لِزَوْجِـكَ بَاْسِمَا
قَاْلَـتْ: حَـبِـيـْبِيْ اصْغِ لِيْ

ْكَـيْـفَ الرّجُـوْعُ لِـمـَنْ رَمَىْ!!
:فَأَجَاْبَهَاْ مُـتَـعـَجّــبًا

حَـتّى مَـضَى مـُسْـتَـسْـلـِـمَا
ظَـلّـتْ تُـرَقّــقُ قَـلْـبَهُ

ْمَاْ كَـادَ يَــبـْـعُــدُ سَاْعَــةً
حَــتَـى أَتَـى مُـــتَـأَلّــمَـاْ

فَــبَـدَاْ الـسّــؤَاْلُ بِعـَيْــنِهَاْ
مِــنْ دُوْنِ أَنْ تَــتَـكَـلّـمَاْ

فَـأَجَاْبَ حَـيـْرَةَ قَـلْـبِهـَاْ:
أَلْــفًـيْــتُ بَاْبِيْ مُــوْصَــدَا

هَاْتَــفْــتُ زَوْجِيْ حَـاْمِلًا
بُــشْـرَىْ الشّـفَـاْءِ لِـتَسْعَدَا

وَسَــأَلْــتُ أَيْـنَ مُــقَـاْمُـهَا؟
وَالــرّدُّ كَـاْنَ تَــنَــهـُّـدَا

مَاْ خِـفْـتُ مِـنْـهُ أَصَاْبَـنِيْ
حَـلَ الْـوَبَاْءُ وَأَجْـهَــدَا

فِيْ ظِـلّ أُمّيْ أَحْــتَـمـِيْ
مَاْ غَـيْـرُهَاْ لـَبّىْ الـنِـدَا

اغْـفـِرْ جُحـُـوْدِيْ زَلّتِيْ
لَاْ تُـشْـمِـتَـنَّ بِيَ الْـعِــدَا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى