أقلام

درس العلاقة بين الإخوة من حياة السيدة المعصومة (ع)

فاضل آل درويش

ما أحوجنا اليوم لتلقي الدروس والعبر من الشخصيات العظيمة التي خلدت ذكرها وثبت وجودها المتألق، من خلال مواقفها المتوافقة مع كلماتها الداعية لها في جميع جوانب حياتنا، ولا يقتصر أمر الاقتداء على الجانب الديني البحت والأخلاقي بل يتسع للجوانب الأخرى كالجانب الأسري والاجتماعي و غيره ، وفي حياة السيدة المعصومة مجموعة من الجوانب التي ينبغي التأمل فيها واستخلاص العبر منها، ومن تلك الدروس المهمة ما يتعلق بعلاقة السيدة المعصومة (ع) بأخيها الإمام الرضا (ع) في محطتين أساسيتين، الأولى: احتضان الإمام الرضا (ع) لأخته الصغيرة التي عانت من غياب أبيها الإمام الكاظم (ع) في غياهب السجون لسنوات طويلة حتى شهادته، والمرحلة الأخرى: ما يتعلق بأواخر حياتها القصيرة وشدها الرحال من المدينة المنورة إلى خراسان شوقا لرؤية أخيها الرضا الذي فارقته لأكثر من سنة فما استطاعت أن تصبر أكثر من ذلك، مما يدل على شدة تعلقها بها ومحبتها له وفقدانها خلال فترة غيابه للمشاعر العاطفية التي يغدقها عليها الإمام الرؤوف.
ومن خلال هذين الموقفين ننطلق إلى استلهام درس في العلاقة بين الإخوة في محيط الأسرة، لا من باب عدم إدراك أهميتها ودورها في بناء سياج الأسرة المتماسكة والمنتجة، وإنما من جهة الواقع المأزوم الذي تعاني منه الكثير من الأسر بانفصام عرى العلاقة بين الإخوة وانغلاق كل واحد منهم على نفسه ككيان مستقل ومنفصل لا علاقة له بالبقية، ويظهر الأمر جليًّا حينما يرحل الوالدان حيث ينقطع التواصل بشكل شبه تام ، حيث لا يشعر الواحد منهم بالانتماء للأسرة وبالتالي لا يتفقد أحوال إخوته فضلا عن كونه عنصرًا فاعلًا في حياتهم بمد يد العون ويغدق عليهم عاطفته، ودون شك فإن لذلك عوامل متعددة ينبغي تسليط الضوء عليها ومن ثم البحث عن الحلول الممكنة لانتشال واقع الأسرة من هذا الحال المزري.
العامل الأهم هو التربية التي يتلقاها الأبناء بشكل صحيح وتدعيم علاقاتهم مع بعضهم البعض، من خلال بناء العلاقة وفق الاحترام والمحبة والتفاهم، والجلوس مع بعض في أوقات مناسبة للجميع يستمع فيها الجميع لحديث الواحد منهم عن جدوله اليومي وتعاملاته مع زملائه ومحيطه المدرسي والاجتماعي، وجود مثل هذه الجلسات الأسرية تعطي ثمارها على شخصية الواحد منهم من جهة ثقته بنفسه وقدرته على التعبير عما في نفسه والاستماع للآخر، كما يمنحه الأمان والإحساس بالمحبوبية على مستوى إخوته، وتكليف الوالدين الكبير منهم بالاهتمام بشئون من هو أصغر منه أو تنبيهه على أخطائه يقوم سلوكه وتصرفاته إذ أن الأخ يكون قريبا في تفكيره لإخوته، وإبعاد الوالدين أبناءهم عن الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي وقضاء أوقات مطولة مع الجوال، يساعد على تقوية العلاقة بين الإخوة وتدعيم التواصل بينهم، فاليوم يعيش الواحد منهم مع العالم الافتراضي وينفصل عن الواقع مما يؤسس للفجوة بينهم، والتي تزداد رقعتها مع الأيام وتضعف الأحاسيس بينهم.
وتدخل الوالدين عند حدوث خلاف أو مشاحنة بين الأبناء بما يساعدهم على تجاوزه والبعد عن تأثيراتها السلبية والقطيعة بينهم أمر محتم، فيمكنهما التدخل من خلال تفهم أسباب المشكلة ومساعدة المخطيء على الاعتذار وتقبل الآخر له والصفح عنه، فالمشاكل إذا أهملت سببت شرخا في العلاقة بين الإخوة وتضخمت الخلافات بسبب الاتهامات وإلقاء اللوم على الآخر ورفض مبدأ الاعتذار أو الصفح.
العمل الجماعي وتقاسم الأدوار في العمل المنزلي بين الإخوة يربيهم على احترام الآخر والتعاون معه، كما أن تشارك الأفكار في التخطيط لإجازة نهاية الأسبوع أوالإجازة المطولة وقضاء أوقات ممتعة في أجواء مرحة وترفيهية، يقوي أواصر الإخوة ويعودهم على العمل كفريق واحد وأيادٍ متحدة، ومن المهم احترام الخصوصية لكل ابن ومراعاة الفروق الفردية من قبل الوالدين فهذا يساعد الواحد منهم على تقبل شخصيته، ولا يخفى أهمية متابعة سلوكيات الأبناء وتشجيعهم على أداء السلوكيات الإيجابية وخصوصا مراعاة الآداب الاجتماعية مع إخوتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى