أقلام

عيد الغدير عيد الوفاء والجزاء

زاهر حسين العبدالله

مقدمة:

قال تعالى:
{وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ الله لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ(69)}العنكبوت.
كل المسلمين لا يختلفون في أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام جاهد في سبيل الله بكل أنواع الجهاد منذ نعومة أظفاره، حيث تربى في حجر النبوة، ورضع من ثدي الإيمان. فكان أول من آمن بنبي الرحمة وخاتم النبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ودافع ونافح وجاهد في سبيل إعلاء كلمة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله حتى أعطي مكافآت.

المكافأة الأولى:

أول مكافأة في حديث الدار حيث جمع النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله أربعين من عشيرته حين نزل قوله تعالى { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ(٢١٤)وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ(٢١٥)فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ(٢١٦)وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ(٢١٧)}النمل.
فدعاهم إلى التوحيد وترك عبادة الأوثان.

فقال: يا بني عبد المطلب! إني والله ما أعلم شابًّا في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به؛ إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعا، وقلت:… أنا يا نبي الله، أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي، ثم قال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا، قال: فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع…(١)
َ
ثم استمر الجهاد في سبيل الله حتى أصبحت الدعوة جهرية، ثم فداه بنفسه حينما نام في فراشه، ثم قضى ديون رسول الله صلى الله عليه وآله وحفظ أماناته، ثم حمل عرضه وشرفه ابنته فاطمة عليها السلام وأمه فاطمة بنت أسد رضوان الله عليها وحماه حتى أوصلهن إلى المدينة المنورة. وكان رسول الإسلام على مشارفها ولم يدخلها رسول الله صلى الله عليه وآله إلا بعلي بن أبي طالب عليه السلام ثم جاءت المكافأة الكبرى الثانية.

المكافأة الثانية:

حين أمره الله أن يزوج النور من النور سيد الموحدين بسيدة نساء العالمين الزهراء البتول عليها السلام.
ففي حديث خباب بن الأرت أن الله تعالى أوحى إلى جبرئيل: زوج النور من النور، وكان الولي الله، والخطيب جبرئيل، والمنادي ميكائيل، والداعي إسرافيل، والناثر عزرائيل، والشهود ملائكة السماوات والأرضين..(٢)
وتوالت صفحات الجهاد يسطرها التاريخ بأقلام من نور وقراطيس من ذهب في سيرته فجاهد في بدر وحنين وخيبر والخندق وغيرهن فسطر أروع صور البطولة والشجاعة والإباء وتجلبب بجلباب العلم والحلم والسخاء والسماحة والشجاعة والمحبة في قلوب المؤمنين، حتى قال في حقه رسول الله صلى الله عليه وآله:
(يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق إلى يوم القيامة) (٣)

فكان ميزان الكفر والإيمان وأصبح بحق الصراط المستقيم وهدى للمتقين ونجاة السائلين وملاذٍا للخاشعين، وأمانًا للخائفين
فجاءت المكافأة الثالثة الكبرى، وهي:

المكافأة الثالثة:

تنصيبه خليفةً لرسول الله صلى الله وآله وسلم بعد أن نزل جبرائيل إلى نبي الرحمة صلى الله عليه وآله يقول له:
{يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ الله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ(٦٧)}المائدة.
فحانت لحظة الوفاء والجزاء ليكون عيدًا عظيمًا للمسلمين.
فوقف في مكان يسمى غدير خم حيث أرسل لمن تقدم أن يرجع وأمهل المتأخر أن يصل حتى جمع في ذلك المكان الفسيح مايقرب من مائة ألف من الصحابة، وروى هذا الحديث في أقل الروايات مائة وعشرة صحابي من طرق مختلفة، بألفاظ متفاوتة ومتطابقة جزءًا أو كلًّا حيث أمر النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله أن ينصب له منبر فنادى في جموع الناس:

(أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ألست أولى بكم من أمهاتكم؟ قلنا: بلى يا رسول الله.
قال: ألست أولى بكم من آبائكم؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: ألست أولى بكم، ألست ألست ألست؟ قلنا: بلى يا رسول الله.
قال: فمن كنت مولاه فإن عليا بعدي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.)(٤)

فكان عيد الغدير حيث انهال المسلمون يهنئون أمير المؤمنين عليه السلام بهذا الحفل البهيج وأنشد في هذا اليوم حسان بن ثابت حيث قال:
يناديهم يوم الغدير نبيهم
بخم فأسمع بالرسول مناديا
إلى أن قال:
فقال له قم يا علي فإنني
رضيتك من بعدي إمامًا وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليه
فكونوا له أنصار صدق مواليا.
فقال له النبي صلى الله عليه وآله: يا حسان لا تزال مؤيدًا بروح القدس ما نافحت عنا بلسانك. (٥)
نبارك للأمة الإسلامية هذا العيد الكبير والعظيم، ونسأل من الله الثبات على ولايته وأن نشرب من يديه الكريمة شربة لاظمأ بعدها أبدًا والحمدلله لله رب العالمين.

المصادر:
(١) بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج ٣٨ ص ٢٢٢.
(٢)بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٤٣ – الصفحة ١٠٩
(٣)المصدر السابق ج ٣٩ ص ٢٨٧.
(٤) موسوعة الإمام علي (ع) – والسنة والتاريخ – لمحمد الريشهري ج ٢ ص ٢٩٥.
(٥)بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج ٣٧ ص ١٥٠.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى