أقلام

أبعاد الثورة الرقمية

فاطمة الشيخ محمد الناصر – الدمام

تُعتبر مجتمعاتنا في الوقت الحديث معتمدة بشكل كبير على التطورات التكنولوجية، فالكثير من الأعمال التجارية والاقتصادية وغيرها للدوائر الحكومية أو الخاصة، تُنجز مهامها من خلال البوابات الرقمية التي حققت الكثير من السرعة في الوقت والأداء، لذلك نجد أن الالمام بكيفية استخدام الحاسوب مطلب أساسي عند أغلب الجهات العملية.

يتم الاستعانة بالعالم الرقمي بتزويد العديد من الدوائر العامة والفردية بوفرة من المعلومات والمعارف التي تسهل متابعة الاعلانات الدعائية والخبرية والعلمية أو التعلم الذاتي بطريقة مرنة من خلال الصوتيات والمرئيات المتوفرة في العديد من البرامج التعليمية الالكترونية، لم تتوقف الثورة الرقمية عند هذا الحد بل أصبحت جزء لا يتجزء من حياتنا اليومية.

لقد قدمت وسائل الاعلام الرقمي مادة اعلامية مهيمنة حول العالم، بحيث تُستخدم للترويج عن أفراد أو أشياء بطرق جذب ومؤثرات تلامس الكوامن البشرية وتحرك بهم الدافعية للانبهار، قد تشذ أحيانا عن الواقع، لكنها صَنعت جمهورا كبيرا وهو مالم تصنعه أي وسيلة أخرى، كما كونت شهرة لكثير من الأفراد أو المنشئات بشتى أنواعها أو الأشياء كالكتب والأفلام والأغنيات وغيره، لذلك نجد نتيجة النجاح الاعلامي للدعايات عبر الشبكات الاجتماعية يضاعف سمعة النجومية لبعض الأفراد ويجعلهم محط أنظار الجمهور المتحمس، لا تخلو من المبالغات كثيرا ومن ثم يتقلص الإبداع والأصالة الخلاقة. تقول فرانسواز بنحمو الباحثة والمتخصصة في الفن ” يتفوق احترام الرقم على كل الاعتبارات، وتزداد الجودة بحكم عدد المعجبين”.

من الممكن أن نلاحظ ما قالته فرانسواز عن التأثير الممنهج ” للعدد ” من خلال بعض المواقع لمؤسسات أو شركات تُحضر زاوية تبرز من خلالها الأكثر مبيعا أو مشاهدة أو قراءة، هذه الزاوية لا تعطي المعيار الحقيقي للقيمة الفكرية أو الأدائية لأنها تعتمد على جمهور عام مختلف في مستوياته العلمية والبيئية والاجتماعية والثقافية، لذلك نحن لا نقدم مادة اثرائيه انما مادة شكلية بغية الترويج لها.
كما مكنت الثورة الرقمية المتصفحين لشبكاتها التعبير عن الذات بتبادل الأحاديث والتعليقات المختلفة وعرض الصور الشخصية التي لا تعكس عن براعة استراتيجية في التعبير أو العرض بقدر ما تنم عن الادمان المقلق، لذلك الكثير يوسع دائرة العلاقات الاجتماعية من خلال هذه الشبكات بغرض المؤانسة التي تصبح تجربة تكنولوجية وليست تجربة انسانية واقعية، فالتعاملات أو العلاقات الافتراضية تدفع إلى الوحدة التي يصعب تصورها، بعض العامة من رواد هذه البرامج كـ facebook يحاول أن يجد له موقعا مرموقا عند الجمهور لذلك نجد عدم التَّواني في اظهار الحياة الشخصية بشكل فاضح من قصص حياتية واضافة الصور للعائلة بكاملها بغرض كسب أكبر عدد من المتابعين والمشجعين، ويقول في هذا الخصوص العالم النفساني ” أنه إذا كانت الرغبة في الظهور متأصلة لدى الانسان و أنه اذا كان هناك طغيان آخر متعلق بالخصوصية لا يزامن مع انتشار الانترنت، فإن الويب تعزز ما يسمى بالرغبة في عرض الذات”.

نلاحظ أن البشر لديهم رغبة ملحة للظهور العلني وابراز ذواتهم دون اعتبار للتنبيه الذاتي الذي يكمن بداخلهم أي محاولة التضيق عليه حتى يتم الغائه ببساطه، لذلك تفقد الخصوصية طريقها لديهم.
أصبح حتى الشباب والمراهقين والأطفال يواكبون الثورة الرقمية ويتنافسون لإيجاد ذواتهم، ففي هذه المرحلة العمرية ينشؤون على اساس مبدأ “ابتكار الذات” فهم يبحثون عن الاعتراف بقدراتهم وهوياتهم من قبل أقرانهم، فمن خلال هذه البوابات يمكنهم توسعة نطاق تجربتهم وأن يكونوا بكامل نرجسيتهم وتفاخرهم، وأن يجدو من يشجعهم ويجذبهم من خلال اللعب والتجول والحديث الافتراضي من هنا تكون متنفس عاطفيا رحب لهم، ويختلف التعامل لهذا العالم من مجموعة لأخرى وهدفيتهم والغرض من التواجد الايجابي أو السلبي.

من الممكن أن نعتبر العالم الرقمي وعاء ثقافي إن استخدم بمنهجية فعلية وحقق التلاقح الثقافي والمعرفي ونشر الخبريات العلمية والاجتماعية والدراسات والبحوث الفكرية وغيره، كما نجده حاليا في موسم محرم حيث يتم الاستفادة من التكنولوجيا الرقمية من خلال البث المباشر للعديد من المحاضرات الثقافية في مختلف المجالس الحسينية مما يسهم في نقلها صوتيا من خلال برامج للناس كافة، ولم يقتصر الأمر عند ذلك فإضافة أحداث تلك المناسبة العالمية في مواقع الالكترونية مزودة بالصور يغذي العالم الرقمي بزخم هائل من المعلومات التي يستفيد منها المتصفحين في كل أصقاع العالم.

اذا للثورة الرقمية حسناتها و مساوئها، اعتمادا على وعي مستخدميها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى