أقلام

القـارونية

حسن عبد المحسن السلطان

كثير منا لا يقبل بما فعله قارون الذي استحكم المال في قلبه و جعله يفكر بطريقة أصبح المال هو المعبود الأول في حياته، و هو الأمر الذي يخشاه الله على عباده، و ربما أكثر ما يوضح ذلك قوله:  ( قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي )، ولكن الحقيقة المؤلمة أن قارون أصبح متواجداً في مجتمعنا، و كل شخص على حسب قدرته.

عندما يذهب أحدهم إلى مقهى في الصباح لكي يشتري له (وافل) مع كوب قهوة بتكلفة تتجاوز ٥٠ ريال سعودي، فهذا يعني أن القارونية موجودة بداخله، لأن تكلفة كرتون الوافل الذي يحتاج إلى خلط مع الماء و يصنع منها ربما ٢٠ إلى ٣٠ قرص، لا يتجاوز ١٠ ريالات، في حين أن ما اشتراه بتكلفة تتجاوز ٣٠ ريالاً هو ثلاثة أقراص أو أقل.

عندما تشتري كعكة صغيرة من كوفي شوب بـ ٣٥ ريال، و قيمتها الحقيقية قد لا تتجاوز ٥ ريالات في المخابز، فهذا دليل على أن القارونية بلغت مستوى عالي في داخلك و جعلتك لا تدرك ما تفعل، ولا أتكلم هنا عن ممارسة نادرة تصيب الشخص ولكن عن سلوك دائم متى ما توفرت الفرصة.

شراء الماركات و خاصة التي تستخدم لفترة زمنية معينة في أشياء استخدامها قد لا يتجاوز عدة أشهر، هي قارونية وليست ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)، لأن هناك العشرات من الناس لا يستطيعوا تأمين قوت يومهم و أنت تلعب بالمال كما تشاء.

عندما زادت الأسعار و فرضت الضريبة بعيداً عن جميع المعطيات، بدأ التذمر و السخط على هذه القرارات، ولكن هل سلوكيات كثير من الأفراد تغيرت في الإنفاق بالفعل؟ أم أن السلوك القاروني لا يزال يعمل بكل بجاحة دون النظر إلى العوامل الزمنية؟.

جولة في برنامج السناب شات قد يكشف الكثير من القارونية التي انتشرت في مجتمعاتنا و الخوف أن يصيبنا ما أصاب القرية التي كفرت بأنعم الله.

بشكل عام و على مستوى العالم لربما نحن نعيش في أفضل زمن تتوفر فيه جميع نعم الحياة، عكس الأزمنة الماضية التي كان الفقر صفة سائدة، و لذلك بدل أن نحمد الله و نتعامل بمنطق وعقل و ننظر بعين الوعي إلى الشعوب المحرومة، نبحث عن زيادة الموارد لكي نبحث عن زيادة المصروفات فيما لا يرضي الله.

إذا كانت القارونية موجودة لديك ولو بنسب منخفضة، توقف مع نفسك وحاول معالجة الأمر، فهناك شعوب كانت تعيش في نعمه وخيارات، و الآن هي شعوب فقيرة و مشردة، تذكر ذلك.

قال الله تعالى: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُوْلِي القُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الفَرِحِينَ *وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ المُفْسِدِينَ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ المُجْرِمُونَ * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلاَ يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الكَافِرُونَ *) ( القصص: 80، 82).

 اعلان تجاري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى