أقلام

ما الذي يحدد وعيك؟

 أحمد الهلال

لا أريد أن أتحدث عن تعريف الوعي، لأني قد لا أختلف معك، وإن اختلفت معك فلا أظنه اختلافا يمكن أن يكون ذا شأن كبير، لأن كثرة التعاريف في مفهوم الوعي وغيره من المفاهيم لم تكن هي العقبة الأولى، بل أحيانا لا تعد عقبة في حركة قطار الحضارة، فقطار الحضارة يسير رغم اختلاف الكثير من المفاهيم، بل الاختلاف سنة في كل المجتمعات البشرية، ولكن هذا لا يعني ألا يكون هناك مفهوم سابق لمفهوم أتى بعده أو قبله، هو ما له الحظوة الكبرى في الرجوع إليه دون غيره.

لا أريد أن أشطح عن السؤال الذي طرحته في عنوان المقال. فالسؤال هنا حول تحديد الوعي، أي: هل للوعي حد يقف عنده وبالتالي لا يستطيع أن يتجاوزه لأي ظرف من الظروف، سواء كانت منطقية أو عقلائية، أم ظروفا قاهرة متخلفة تحبس الوعي المتنور؟، وإن قلت لي ما يصطدم بالمنطق والعقل هو وعي زائف لا ينطبق عليه مفهوم الوعي، أقل لك كلامك صحيح وليس بصحيح في ذات الوقت!، ليس بصحيح لماذا؟ لأن تجارب الكثير من الأمم في ما كانت تظنه وعيا وخلاصا نهائيا، تجاوزه منطق التاريخ مع الوقت، والأمثلة على ذلك كثيرة، خذ مثالا نزع الملكية من الأفراد في المجتمع الذي نادت به الماركسية، كحل للمساواة بين أفراده، للقضاء على التمايز والطبقية فيه، ألم يمثل حينها أنه قمة الوعي والمنطق والمساواة بين أفراد المجتمع، واحتلت هذه الفكرة مساحة كبيرة في العالم، ووجدت لها أفرادا من المشتغلين بالثقافة مؤمنين بها؟، لكن أين هي الآن ومن ينادي بها، فلقد تركها الكثير من دعاتها، لسبب أو لآخر، ولكن السبب الرئيس فيما أظن لأنها خلاف طبيعة الإنسان وفطرته، إضافة الى أن الإنسان كائن مركب لا تستطيع حبسه في مفهوم واحد وتحكم عليه بعد ذلك من هذا الفهم والوعي الذي توصلت إليه.

أعلم فربما شهر القارئ سيف نقده في وجهي، ليقول لي ما مناسبة هذه الحكاية الطويلة؟ وما الفائدة من طرح مثل هذا السؤال؟، وهل الوعي يحد؟ من حد وعيه جمد في مكانه، ووضع حدا لنهايته.

هناك مقولة منسوبة للإمام علي تقول «ليس كل ما يعرف يقال، وليس كل ما يقال حضر أهله، وليس كل ما حضر أهله حان وقته، وليس كل ما حان وقته صح قوله» ولدى السياسيين عرف أو معنى يختصرون به تعريف السياسة بـ«فن الممكن»، ناهيك عن المقولة التي نستشهد بها في الكثير من مواقفنا «لكل مقام مقال»، أليس هذا دليلا أن الوعي أحيانا له حد لا تستطيع التصريح به ومن ثم العمل على هديه وذلك لغياب الظرف والمكان المناسبين؟.

ومع هذا ليست هذه المقولات ما جعلتني أطرح مثل هذا السؤال، ولم اطرحه لأحبس الوعي واحجر عليه في منطقة لا يتجاوزها كما قد يظن البعض.

طرحت هذا السؤال حتى أضع علامة استفهام وتعجب وأتساءل، «فما أنا إلا طارح لسؤال» عن «وعي» بعض «المثقفين الشباب» وغيرهم، مستفهما إلى أين هم ذاهبون، هل إلى واد هو أقرب لوادي الشعراء منه من وادي أهل الفلسفة والحكمة، أي من يضعون الشيء في مكانه مع حملهم لرؤية متقدمة عن عصرهم. أم هم أقرب لقول الشاعر:

أي سر في ما انتهينا إليه أنا والله أجهل التعليلا.

قيل للإمام علي صف لنا العاقل، فقال: «هو من يضع الشيء في مواضعه»، فقيل فصف لنا الجاهل، فقال: «قد فعلت».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى