أقلام

فاطمة أم أبيها

أمل بوخمسين

وهب الله تعالى النبي الأكرم بنتاً صارت جديرة بأن تحوز على أعظم لقب و قد منحها إياه أعظم شخصية في هذا العالم، إنه سيد المرسلين ونبي الرحمة محمد صلى الله عليه وآله الذي قال: في حق ابنته وروحه التي بين جنبيه الزهراء عليها السلام ( فاطمة أم أبيها)

لكن لو سألنا أنفسنا؛ هل عرفنا معنى هذا الحديث؟
ماالمعنى الذي وعيناه حول كنية فاطمة عليها السلام بأم ابيها؟

المعنى الذي اختزنه وعينا و تحدث به الكثيرون أن فاطمة عليها السلام أغدقت على أبيها العطف والحنان وشاطرته آلامه وأحزانه بعد وفاة أمها خديجة عليها السلام.

لكن هل هذا الكلام ينطبق على شخصية رسول الله (ص ) وعظمته؟

الشخص الذي يمنح الدنيا العطف والحنان ومن وصفه الله بصفة الرحمة (بالمؤمنين رؤوف رحيم ) التوبة 128 هل يصبح بحاجة الى عطف وحنان؟

لو قلنا أن هذا المعنى صحيح،فهذا يعني أن اي شخص تتوفى زوجته ويلقى الحنان والعطف والرعاية من ابنته تكون هذه البنت أماً لأبيها، لكن بالغوص في معاني هذه الكنية ومعرفة أسرارها سنكتشف معاً أنها كنية عظيمة جداً وذلك بعد أن نستوضح بعض خصوصيات هذه العبارة ( فاطمة أم أبيها ).

دعونا الآن نتأملها بعمق كي نعرف بعض معانيها

المعنى الأول: لفظ أم هنا مطلق لم يقيد بقيد لم يقل رسول الله (ص) فاطمة أم أبيها في العطف والحنان أو غير ذلك من القيود التي تجعل المعنى خاصاً وأبوها الذي هي أمه من هو؟ إنه سيد الرسل وهذه الكنية صدرت منه وهو الذي قال عنه الله تعالى (وماينطق عن الهوى إن هو الا وحي يوحى ) النجم 3-4 فكلامه قرآنا ومن كان كذلك لا يمكن أن يكون حديثه ( فاطمة أم أبيها ) منطلق من الهوى والعياذ بالله والحب الشخصي وانما هو من منطلق (وحي يوحى )

المعنى الثاني: إن فعل الولد وتركه يجب أن يدورا مدار رضا أمه وغضبها وذلك حقها عليه وبناء على هذا الحديث فان فعل المصطفى وتركه يدوران مدار رضى الصديقة الكبرى وغضبها ولا نستغرب من هذا الكلام عندما نتذكر حديث آخر للمصطفى (ص) (إن الله ليرضى لرضى فاطمة ويغضب لغضبها) فأيهما أشد غرابة؟
وهذا القول لايتنافى مع أنه (ص) افضل منها ومن جميع النبيين والأئمة عليهم السلام ، كما لاينافي وجوب طاعة الزهراء لأبيها رسول الله (ص)؛ لأن الله تعالى يرضى لرضاه ويغضب لغضبه ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) النساء 80

المعنى الثالث: يقول العلامة الشيخ الرحماني الهمداني في كتابه (فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى ) إن الله عز وجل لما شرف وكرم أزواج النبي بكنية أمهات المؤمنين صرن في معرض أن يخطر ببالهن أنهن أفضل النساء ومن أجل أن لا يتصورنَّ ذلك فإن رسول الله (ص) قال (فاطمة أم أبيها ) ومع أن كنية أم المؤمنين كنية عظيمة إلا أن هذه الكنية بنص القرآن الكريم لا تنطبق على أحدٍ إلا بشرط المحافظةعلى مقتضيات هذه الكنية ( إن اتقيتن ) ثم إن هذه الكنية العظيمة هي بالتأكيد دون عظمة كنية أم أبيها أين أم المؤمنين من أم خير خلق الله الغير مقيدة بقيد.

المعنى الرابع: وهو أعمق من المعاني المتقدمة وأشمل وخلاصة هذا المعنى ان خصائص الولد تكون عادة في الأم فالأم هي الأصل، وبناءاً على هذا يكون المعنى أن جميع خصائص المصطفى الحبيب (ص) موجودة في الصديقة الكبرى صلوات الرحمن عليها فهي أشبه الناس برسول الله.

المعنى الخامس: أم كل شي أصله كأم الكتاب وأم القرى فعليه يمكن أن يقال أنه صلى الله عليه وآله أراد من هذه الكنية أن فاطمة عليها السلام أصل شجرة النبوة وعنصر الرسالة كما قال الباقر عليه السلام ( الشجرة الطيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وفرعها علي عليه السلام وعنصر الشجرة فاطمة عليها السلام وثمرتها أولادها وأغصانها وأوراقها شيعتها ) ولولا فاطمة لما اخضرت شجرة الإسلام فإن الشجرة تسمو وتنمو بتغذيتها من أصلها والصديقة الزهراء تجسيد للخصائص التي تشكل باطن المصطفى وغيبه وسره فهي أمه وعنصر وأصل الشجرة الطيبة التي أثمرت بأئمة الهدى عليهم السلام.

المعنى السادس: من كلام للمحقق الجليل الشيخ المصطفوي في معنى كلمة الأم ( الأم ما يكون مورداً للقصد والتوجه، فإن الأم يتوجه اليها توجهاً خاصاً ) وبناءاً على هذا يصبح معنى ( فاطمة أم أبيها ) فاطمة قبلة و كعبة أبيها، و مقصده الذي يتوجه إليه ويعني به عناية خاصة كما ينبغي الإهتمام بالقبلة والكعبة.

إنها ثلاث كلمات وقد رأينا تعدد المعاني التي يمكن أن تحملها، والسبب أننا تعاملنا مع هذا النص بشيء من العمق وهو مبدأ يجب أن لا نخرج عنه خصوصاً مع النص القرآني والثابت من الأحاديث القدسية وأحاديث رسول الله وسائر نصوص المعصومين.

ورأينا من خلال التعامل مع هذا النص بعمق كيف أن التعاطي السطحي مع هذه الكلمات أفرغها من معانيها وإنَّ حصر معنى الحديث في أن الزهراء تعطي النبي العطف والحنان لا يعطيها أي فضل بل يمس بقدسيتها وقدسية المصطفى حيث يصورهما كسائر البشر ، بينما رسول الله خير البشر و فاطمة صلوات ربي عليها هي أم خير البشر.

اللهم صل على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها عدد ما أحصاه كتابك وأحاط به علمك، واجعلنا ممن يقتدي بها و يسير على نهجها و ارزقنا في الآخرة شفاعتها.

 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى