الحبّ أم الإيمان
مكثت طويلا وأنا أقرأ وأستمع وأبحث لكي أفهم العدل الإلهي. قرأت في كتب الفلسفة، وبحثت في وصايا العرفاء، وأخذت دروسا في المنطق…، كتبت في شرح هذا المفهوم لكي أفهمه بنفسي، قبل أن أقنع به الآخرين. نجحت أحيانا وفشلت أحيانا كثيرة.
يحزنني كثيرا عندما أعرف بأن هذا الإنسان قد ألحد لأنه رأى أن الله غير عادل. وكيف له أن يؤمن بإله غير عادل! فالظلم وحده كفيل بأن ينسف هذا الإله المزعوم.
شعرت بالحزن الذي يعتصر قلب ستيفن هوكينغ وهو يرى الله عن قرب، بما عنده من علم غزير وعقل كبير، ومع هذا يقول إن الله غير موجود.
ستيفن هوكنيغ رأى الله في الكون، وظل يبحث عنه في نفسه. آمن بإله الكون وكفر بإلهه.
ولعل السبب كما يقول د. عدنان إبراهيم هو مرضه الذي أقعده وأخرسه وأصمه. وكأني بلسان حاله يقول: (أين هي عدالة الله؟). هل اقتضت عدالة الله أن تجتمع كل طاقته الروحية في عقله، حتى صار يرى في الكون ما لايراه غيره؟
أتفهم ما أراه من قلق في وجوه من حرمتهم الحياة من نعم كثيرة. أقرأ أسئلتهم، وأرى عتبهم على الله: (لماذا نحن؟ لماذا كان نصيبنا الابتلاء ونصيب غيرنا النعم والخيرات؟).
هل عدالة الله أكبر من استيعاب عقولنا. هل عجزت كتب الفلسفة والمنطق أن تأتينا ببرهان قاطع ومقنع يطفئ عطش شكوكنا في عدالة الله.
ماذا لو خرجنا من هذه الدنيا بإيمان ناقص في العدالة الالهية؛ هل سنحسب من أهل الإيمان أو من أهل الشرك والعصيان؟
هل العدالة الإلهية هي مسألة عقلية أم وجدانية يختص القلب بالإجابة عليها.
*لماذا لا نحيل الأسئلة التي يعجز عنها العقل إلى القلب. فالقلب فيه ذكاء أيضا. وإذا كانت لغة العقل هي التفكير فإن لغة القلب هي التأمل*
أليس اليقين هو في النهاية اطمئنان. فمن هو الأقدر عليه: القلب أم العقل. إن يقين القلب لهو الأقوى والأعمق.
هذه الآية الكريمة استطاعت أن تعطيني ما كنت أبحث عنه من يقين بخصوص العدالة الإلهية *{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه}* الآية الكريمة تتكلم عن الإيمان بالله وعن حب الله، وتقول بأن الردة قد تحصل بعد الإيمان، ولكنها لا تقع مع الحب.
فإله يحب كيف له أن يظلم!
إن الله المحب هو عادل بالمطلق.
فكما أن علم الله مطلق فحبه كذلك مطلق. وإذا كان الجهل منفي عن الله؛ فكذلك الظلم لا وجود له في عالم الحب المطلق.
حب الله موجود ودائم، ويبقى على الإنسان أن لا يظلم نفسه *{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ}.*
لسنا بحاجة إلى أن تتوحد مذاهبنا، وتنتهي خلافاتنا. ولسنا بحاجة إلى أن تتفق أفكارنا ورؤانا، حتى نجتمع ونلتقي مع بعض، ما نحن بحاجة إليه هو الحب.
*نعم أنا لو خيرت بين حب الله والإيمان به لأخترت حبه، فمن يحب الله يؤمن به طوعا لا كرها، ولكن ليس بالضرورة من يؤمن بالله فهو محب له.*