أقلام

الإنسان ذلك الكائن الأذكى

محمد عبدالله العيسى

تمكّن الإنسان عبر الزمن من تطوير أجهزةٍ كثيرة كي تساعده على الإنجار في هذه الحياة. ولقد عمل الإنسان على تطوير أجهزةٍ أقوى وأذكى منه بكثير لتختصر عليه الوقت والجهد في الإنجاز، فالرافعات الهيدروليكية مثلاً أقوى بآلاف المرّات من عضلات الإنسان والكمبيوترات والحواسيب أسرع في تنفيذ الحسابات من عقل الإنسان بآلاف المرّات وهكذا.

ولكن الإنسان مع كل هذا يظل هو الأقوى والأذكى من كل ما صنعته يداه والسبب البسيط هو أن الإنسان يعي كيف تعمل هذه الأجهزة بينما هذه الأجهزة لا تعي كيف تعمل هي ولا تعي كيف يعمل صانعها وهو الإنسان ولذلك فالإنسان هو الذي يملك السلطة العليا وهو الذي يتحكم في هذه الأجهزة ويستطيع تطويرها أو إبطال مفعولها، والعكس ليس صحيحاً رغم أن هذه الأجهزة قد تؤثر بدرجة كبيرة في سلوك الإنسان وعلى حياته.

ولهذا فأنا أحذّر من التعامل مع الإنسان كالتعامل مع الأجهزة والآلات وأولئك المتحمّسون لفكرة *مؤشرات الأداء الرئيسية* أو *Key Performance Indicators KPIs* عليهم أن يعوا جيّداً أنهم لا يستطيعون قياس أداء الإنسان كما يقيسون أداء الآلات والسبب بسيطٌ جداً وهو أن الإنسان سوف يعي عاجلاً أو آجلاً كيف تُحسَب هذه المؤشرات وسوف يقوم بمراوغتها وخداعها وتزوير نتائجها النهائية لكي تعطي أرقاماً توحي لمن يراقبها بالأداء الممتاز بينما قد يكون الواقع خلاف ذلك تماماً، ممّا سيجعل مثل هذه المؤشرات خادعة ومضلّلة جداً لإدارة وقيادة أي منشأة إنسانيّة.

لا يمكن أبداً أن تقيس أداء الإنسان كما تقيس أداء الأجهزة والآلات فقد تضع ثرمومتراً في فم موظفٍ زار العيادة يشتكي من  المرض لقياس حرارته ومعرفة ما إذا كان مريضاً أم لا لكن لأن الإنسان يعرف كيف يعمل الثرمومتر فقد يضع هذا الموظف كيس شاي لبتون حار داخل فمه قبل وضع الثرمومتر لكي يعطي قراءة مرتفعة جداً.

ولذلك فلا شيء يجدي مع هذا الإنسان الأذكى سوى أن تكون الحقيقة هي أن إدارة المؤسسة أو الشركة تهتم بهذا الإنسان اهتماماً حقيقياً يضع إنسانيته وحقوقه ورعايته في سلّم أولويات المنشأة قولاً وفعلاً. أما إدارات وقيادات الشركات والمؤسسات التي ترفع الشعارات البرّاقة وتطبع كل قيمها الرنانة ورؤيتها ومهمتها وتلصقها علي كل جدران الشركة وتضع لها مؤشرات رئيسية لقياس أداء هذه الشركة وتراقب هذه المؤشرات وتتفاعل معها بحماس – وهي لا تطبق من هذه الشعارات والقيم ولا تهتم بمواردها البشرية اهتماماً واقعياً صادقاً – فهي إنما تلاحق سراباً وتزادد تخبّطاً وتيهاً وخسارةً وتحسب أنها تحسن صنعاً بينما هي في ضلالٍ كبير.

لا شيء يستطيع أن يخدع هذا الإنسان ذلك الكائن الأذكى، ولكن الاهتمام الحقيقي والواقعي به يستطيع بلا شك أن يدفعه لتقديم أفضل أداءٍ لديه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى