أقلام

في ذكراه السادسة.. أين تيار الفضلي الثَّقافي؟

أحمد السمين*

في أكثر من حوار ومحاضرة تحدّث العلامة الفضلي عن أبناء المنطقة الشرقية ووصفهم بأنَّهم في غاية الالتزام الدّيني، إلّا أنَّهم يحتاجون إلى بناء ثقافة دينية أساسية لفهم الإسلام، وهذا التَّقييم ناشئ من رؤية الفضلي حول واقع المسلمين عمومًا وهي حاجتهم لفهم الإسلام بواقعه.

(الدكتور الفضلي) كما كان يُطلق عليه في الوسط الاجتماعي منذ قدومه إلى المنطقة في عام 1409هـ انجذبت إليه الطَّبقة الشَّبابية المتطلّعة إلى التَّعرّف على الإسلام من خلال القراءة غير التقليدية التي كان يقدّمها في محاضراته ومجلسه اللَّيلي. فخلال عقد من الزمن تقريبًا كان النَّشاط الجماهيري للفضلي منصبًا على العمل الثقافي بشكل محاضرات في المواسم الرمضانية أو كلمات في ذكريات أهل البيت (عليهم السلام)، شكّل هذا العمل حَراكًا ثقافيًا غير معتاد في المنطقة.

أقدّر أنّ الفضلي كان يهدف من خلال هذه الحَراك الثَّقافي إلى بناء بيئة ثقافية اجتماعية على وزان ما عاشه في بيئة العراق، واعتمد في هذا البناء على ركيزتين:

الأولى: التَّعريف بالإسلام من خلال مفاهيمه الأساسية؛ التي من شأنها أن تكون القاعدة الأساسية لبناء فوقي شامل للكثير من الدوائر الحياتية الاجتماعية والفردية، من هذه المفاهيم التي تناولها: العلاقة بين الإمامة والأمة، أثر الوقف في إنجاز التنمية، الآداب المعنوية للصلاة، الإسلام ومتطلبات العصر، الإسلام والمفاهيم الضيقة، التجديد والأغلال الاجتماعية، الدور العملي لفلسفة الانتظار، العقل الجمعي وحوار الحضارات، وغيرها.

الثانية: دراسة الشخصيات المؤثّرة في الثقافة الإسلامية؛ بغرض إعطاء الواقع المجتمعي في المنطقة سندًا قويًا لتحقيق الوثوق بالنفس والاعتداد بالشخصية، ومن هذه الشخصيات التي تناولها: الشهيد الصدر وأساليب التغيير، ذكرى الشيخ الطوسي، مؤلفات الإمام علي (عليه السلام)، مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام)، الشيخ المفيد، وغير ذلك.

نشأ بفضل هذا الحَراك (الفضلي) نواة لطبقة اجتماعية ثقافية، بدأت بممارسة العمل التثقيفي في مدنها وقراها من خلال الدروس الدينية وإقامة الندوات الفكرية وتأسيس المجلات الثقافية ليتتوّج بالنتاج التأليفي، وكان الكثير من ذلك بالتواصل مع الشيخ الفضلي.

بهذا يمكن القول المؤكّد بأنَّ العلامة الفضلي كان بحقّ الرَّائد الأوّل للحركة الثقافية في المنطقة في العقد الأخير من القرن الميلادي المنصرم، فقد وضع أبناء المنطقة على بداية طريق التأسيس الثقافي لتنطلق الحركة تصاعديًا لتأسيس بيئة ثقافية منتجة ومولّدة.

هذا كلّه على مستوى التَّحليل، ولكن ماذا عن الواقع؟

لا أريد أن أكون متشائمًا في قراءتي البسيطة هذه، ولكن ثمّة مؤشِّرات تكشف لنا عن واقع اليوم ينبغي تسليط الضوء عليها، وليس هنا محلّها التفصيلي.

ولكن لا يحتاج المراقب للشَّأن الثقافي في المنطقة أن يبذل جهدًا كبيرًا للوصول إلى نتيجة مؤدّاها: إنَّ الواقع الثقافي في المنطقة تراجع بشكل ملفت عمّا هو مأمول له بعد حَراك التسعينات، ولك عزيزي القارئ أن تلاحظ على سبيل المثال سعة حضور المحاضرات والندوات بوصفها أحد منابع الثقافة في مقابل المنابر التقليدية الأخرى، ولا يخفى الفارق بين طرح المنبر التقليدي بصورته الرائجة وبين طرح المحاضرة بوصفها أكثر تحرّرا عن الكثير من القيود والعادات الاجتماعية.

بل إنَّه لا يمكن مقارنة الهموم الثقافية اليوم -بملاحظة عناوين ما يُطرح- مع الهموم الثقافية لمرحلة الحَراك الثقافي في عقد التسعينات.

إننا اليوم معنيون بدراسة واقعنا الثقافي لتحديد مشكلاته وعوائقة لتقديم رؤى للخروج من المأزق الذي نعيشه ملموسًا.

ثمّ إنَّ الخطاب موجّه لأبناء جيل العلامة الفضلي الذي تربّى في مجلسه المبارك على محاضراته التي كان يلقيها في القطيف والأحساء والدمام: لماذا غاب هذا الجيل وتراجع في همومه واهتماماته، وقد امتلك المادة الأساسية للنهوض بالحركة الثقافية -كما هو المأمول منه- وتوسعة مداها؟!

أدعو أن يكون يوم ذكرى رحيل العلامة الفضلي (8/ أبريل) من كلّ عام (يوم المراجعة الثقافية لمجتمعنا) ندرس فيه: واقعنا الثقافي وما حققناه في خلال السنة وما نريد أن نحققه فيما يأتي من أيام سنتنا، نضع الخطط والأفكار للنهوض بثقافتنا الإسلامية وما يرتبط بها من تراث عربي.

رحل العلامة الفضلي إلى حيث خلوده بعد أن أدّى بإخلاص مسؤوليته الإسلامية، باذلًا ما يملك من طاقة وجهد في هذا السبيل، أسأل الله له علوّ الدرجات عند ربه الكريم.

 

*أستاذ في الحوزة العلمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى