أقلام

الهدى أم الهوى

مصطفى العلي
قال الإمام علي عليه السلام: “يَعْطِفُ اَلْهَوَى عَلَى اَلْهُدَى إِذَا عَطَفُوا اَلْهُدَى عَلَى اَلْهَوَى وَ يَعْطِفُ اَلرَّأْيَ عَلَى اَلْقُرْآنِ إِذَا عَطَفُوا اَلْقُرْآنَ عَلَى اَلرَّأْيِ” [نهج البلاغة: خ ١٣٨].
مع التقدم العلمي والانفتاح الثقافي التي تعيشه الإنسانية جمعاء، لم تنحصر وسائل الحصول على المعلومة والمعارف على وسيلة محددة أو قنوات متعارفة كما كان في الزمن السابق، بل تعددت الوسائل والسبل وأصبح الحصول على المعارف والعلوم أسهل بكثير، وبطرق أسرع مما كان متعارفا عليه سابقا.
وقد ألقت هذه المعارف والتبادل الثقافي بظلالها على الكثير من الناس سواء إيجابا أو سلبا، فالبعض توسعت آفاق معارفه وثقافته ليزداد بصيرة ووعيا سواء في المجال الديني أو الفكري أو العلمي أو العملي أو الاجتماعي … إلخ.
والبعض الآخر استفاد منها في بث الشبهات والترويج للأفكار المنحرفة التي ساهمت في إبعاد الإنسان عما ينفعه ويفيده.
وما نقل عن الإمام علي عليه السلام في إحدى خطبه ويصف فيه ما سيقوم به حفيده الإمام المهدي عليه السلام لا يمكن قصره على زمن ظهوره عليه السلام؛ بل يمكن تعميم ذلك على كل زمان.
ونلاحظ في زماننا بل وفي الأزمنة الآنفة محاولة البعض تطبيق مضمون ما ورد عن الإمام علي عليه السلام من أجل دعم أقوالهم وأفكارهم لتحقيق مبتغياتهم.
والأمر لا يقتصر على الفكر الديني فحسب، بل يتعداه إلى الأفكار الأخرى، فنلاحظ من يسعى جادا للي عنق الآية القرآنية أو الحديث النبوي عن معناهما أو مدلولهما الظاهر والواضح، ليحرفهما راجيا تأييد رأيه أو النتيجة التي توصل إليها.
وفي الجانب الفكري العام نجد من يحاول جاهدا انتقاء مايروق له من شواهد وأدلة ليثبت من خلالهما رأيه وفكرته. وللأسف فإن بعض أولئك يعتبر أن ما توصل إليه حقيقة مطلقة وثابتة. علما بأن التقدم العلمي والبحثي أثبت لنا بطلان بعض النظريات العلمية المبنية على أسس علمية صحيحة. فما بالك بالآراء المبنية على أسس ومعايير غير علمية.
وعليه يلزم على كل مثقف:
– عدم التعصب لفكرته وما توصل إليه، بل ينبغي عليه اعتقاد أن رأيه يحتمل الخطأ، حيث أنه اجتهد فيما توصل إليه، ولعل اجتهاده لم يوصله إلى لحقيقة المطلوبة.
– عدم الاعتداد والاعتزاز بالرأي أو الفكرة، فكلاهما قابل للمناقشة والنقد، القائمين على الأسس العلمية الموضوعية.
– عدم الاستقلال بما لديه أو توهين ما توصل إليه  الآخرون. فلربما بنى استنتاجه على منطلقات غير مكتملة أو متهافتة تؤدي إلى ضعف أو نقص فيما توصل إليه.
– الابتعاد عن اجتزاء النصوص والأدلة، بل يلزم استقراء كل مايرتبط بالفكرة أو الرأي للوصول لأعلى درجة ممكنة من الإحاطة والدقة.
– المحافظة على الثوابت والحقائق مبتعدا عن تحريفهما أو تأويلهما لخدمة الرأي الشخصي، وهذا يستفاد من قول الإمام علي عليه السلام “عطفوا الهدى على الهوى” و “عطفوا القرآن على الرأي”.
– التحلي بالموضوعية إن كان جادا في الوصول إلى الحقيقة، ففي ذلك مساهمة في نشر الثقافة السليمة الهادفة لرفع منسوب الوعي بين الناس.
ومع هذا الانفتاح والتسارع غير المسبوق في توفر المعرفة وانتشار المعلومة، يلزم علينا عدم التسرع في بث ونشر الأراء والأفكار غير مكتملة الجوانب بصفتها حقائق مطلقة. وعلى المتلقي في الجانب الآخر عدم قبول كل ما ينشر قبل عرضه على الحقائق الثابتة، وعرضه على الموازين المتسالم عليها بين ذوي الاختصاص.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى