أقلام

مسرح المنزل

 

علي عيسى الوباري

أحدهم يقول “شوف شعرك خشن” وآخر يرد عليه “أنفك قصير”وتسمع منهم “ليه تخاف من الدكتور” تنتهي الحالات أحيانا بتشابك الأيدي، واندفاع، وانتقال حرارة الجسد إلى بدن أخيه. يصرخ أحدهم “ليه أخذت لعبتي” ويرد بقوة “أنت رميتها بعد ما خربتها” كلمات في النقاش زعل لكنه يدل على حيوية الأرواح. والعراك فيه خطورة وبنفس الوقت يوحي بحيوية تجعل المنزل مسرحا يؤدي فيه الأطفال أدوارهم ببراءة وتلقائية.

أوشوش فيكم طفولتي، وأقبض من أرواحكم بأهداب أيام العمر التي لن تعود. ضحكاتكم تمد لي الزمن طويلا، يرقص القلب كلما انفتح ثغر بضحكاته العالية. وتمتلئ الصدور بالتصرفات الطفولية فرحا وسعادة.

من سرق الطفولة البريئة اللاعبة على الرمال، من أوقف السلوك العفوي بالأزقة والشوارع والحركة الدائمة أمام المنازل.

تم تقييدهم بين جدران محدودة وديكور جميل سلب منهم البراءة والحركة الدائمة.
نخشى على الزينة والتحف والأواني الثمينة والملابس الماركة. اعتادوا السكون والهدوء، وأصبحت سجايا في نفوس الأطفال.
خيوط الشبكة العكنبوتية تحيط برقابهم وتسلب ألبابهم. نحن الآباء والأمهات أقعدناهم عن الوقوف والحركة بين الشوارع والمزارع، والتآلف مع الطبيعة. منعناهم من ماء يغمسون به أقدامهم، وحذرناهم من طين كي لا تتسخ ثيابهم الجديدة والنظيفة..

حتى البلابل لم تعد تسعدنا قفزاتها على أغصان الشجر. حُرم الأطفال من محاكاتهم، ومشاهدة حرياتها وقفزاتها في الحدائق.

أصبحت سجينة أقفاصها، نحدد أكلها وشربها. نغذي البلابل والعصافير بأيدينا، ونتلذذ بحبسها ونبقيها أمام عيوننا، حتى لا تهرب إلى بساتين بعيدة، كما حبسنا الأطفال من الخروج خوفا عليهم من الجيران، فمات الموروث ووأدت التقاليد والعادات وتلاشى القاموس الطفولي.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى