أقلام

حوارية رقم (٥٦) إمكان حضور الزهراء عليها السلام

زاهر العبدالله

هل الزهراء عليها السلام تحضر مجالس ولدها الحسين عليه السلام؟

السائل: هذه خرافة من الخرافات التي تنشر على المنابر، ولا يمكن قبول ذلك فهي أقرب للكذب!
الجواب: هل تأذن بمداخلة؟
السائل: تفضل
الجواب:
حين البحث عن أية قضية نحتاج لثلاث محطات، هي:
١-المحطة الأولى:
بحث فلسفي وهو الإمكان: أي هل يمكن وقوع مثل هذه القضية في الخارج أم لا؟ بمعنى آخر: هل يمكن حدوثها واقعاً ملموساً أم لا؟
٢-المحطة الثانية:
مرحلة الإثبات: أي هل هناك دليل دل على وقوع القضية أم لا؟ وهل يقتصر على الأدلة الروائية؟ أم أن هناك طرقاً أخرى للإثبات؟ وهل هي ضرورة من الدين أم هي من المعارف الدينية؟
٣-المحطة الثالثة:
ماهي فلسفة الوقوع أو الحدوث في القضية؟ وما هو غرض ذلك، أي أهداف ذلك الحدث؟
هل عندك هذا التسلسل العلمي كي أواصل معك؟
السائل:
حياك عزيزي زاهر، تفضل أفدنا بهذه المحطات..
الجواب:

المحطه الأولى: هل يمكن وجود الزهراء عليها السلام في المجالس الحسينية؟
الجواب بحسب المادية التي تدركها الجوارح: لا، بمعنى آخر هل يمكن إدراك وجود الزهراء عليها السلام بحواسنا التي يحكمها الزمان والمكان والحال أم لا يمكن ذلك؟
الجواب: لا يمكن تعقل وجود الزهراء عليها السلام بالمحسوسات التي تحكمها المادة وبقوانينها.
حسنا، هل هناك طرق أخرى يمكن من خلالها إثبات وجود الزهراء عليها السلام من غير أدوات الحس المدركة أم لا؟
الجواب: نعم يمكن ذلك إذا كان الأمر متعلقاً بقدرة الله سبحانه.
توضيح ذلك:
نحن ندرك أن هناك مخلوقات لا تدرك بالحس ولكن نؤمن بوجودها حتماً، وبعضها توصل الإنسان لكشفه باستخدام أدوات خارجة عن قدرة الحس البشري ولكنها مُعينة له.
مثل الكائنات المجهرية والكواكب والمجرات والنجوم وبطون البحار والمحيطات فقد استطاع الإنسان بفضل الله أن يبتكر أجهزة حديثة تقرب وتكتشف ما كان مجهولاً في السابق حتى أصبح معلوماً رغم أن أدوات الحس العادية لا يمكنها ذلك، وكذلك هناك أمور لم يكتشفها العلم الحديث حتى الآن مثل الثقوب السوداء ونشوء العالم وكثير من أسرار الطبيعة لم يتوصل لها الإنسان حتى الآن، ولكن يدرك تماماً وجودها بالجملة وإن لم يصل إليها حتى الآن ويطمع يوماً ما في الوصول إليها، هذا ما يتعلق بالبحث العلمي.
تعال لما هو ثابت بالضرورة من الدين مثل وجود الملائكة والجن وغيرها من المخلوقات التي لم يكتشفها الإنسان حتى الآن لكن يُقر بوجودها رغم أنها خارج حواسه.

الخلاصة يا مؤمن:
إمكان وجود الزهراء عليها السلام إذا نُسب لقدرة الله ممكن عقلاً بلا شك ولا شبهة فهل تتفق معي في ذلك؟

السائل :
جيد إذا نُسِبَ لقدرة الله حتى وجود النبي نوح عليه السلام ممكن… جيد أكمل..

الجواب:
المحطة الثانية:
هل دل الدليل من الروايات على حضور الزهراء عليها السلام في مجالس الحسين عليه السلام ؟ وقطعاً هو الحضور المعنوي الذي هو بقدرة الله سبحانه التي لا يحدها حد وفوق عقولنا لأن عقولنا محدودة وقدرة الله ليس لها حدود وقد بين لك بعض الإخوة الرواية التي تشير إلى ذلك. فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله تحضر لزوار قبر ابنها الحسين عليه السلام فتستغفر لهم ذنوبهم.(١)
سؤال: إذا زار ابنها الحسين عليه السلام ملايين الناس كيف تحضرهم بحسب قانون المادة مستحيل، بحسب قانون القدرة الإلهية ممكن ..
هنا ملاحظة جداً هامة وجب ذكرها قبل إتمام الجواب:
هناك ثلاثة أمور في المعارف الدينية:
١-العقائد: يجب على المكلف الفحص والبحث بنفسه للوصول لإثبات ذلك مثل وجود الله سبحانه ونبوة النبي وعصمته وأهل بيته – صلى الله عليهم أجمعين – والمعاد والتوحيد.
إن منكر بعض الضرورات لا يعد من أهل المذهب الإمامي الاثني عشري مثل خلافة أمير المؤمنين عليه السلام وأنه هو الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم دون فصل.
٢-الأحكام الشرعية:وهي تلك الأحكام المستنبطة من القرآن وحديث العترة التي يبذل فيها الفقيه غاية مجهوده للوصول إليها من أدلتها التفصيلية.
٣-المعارف الدينية العامة التي يجب الإيمان بها إجمالاً ولا يجب الإيمان بها تفصيلاً مثل الرجعة وعذاب القبر وغيرها وموضوعنا هذا من ذلك.
السائل:
جميل وواضح..
(الرواية التي تم ذكرها غير كافية وواضحة وليست بحجة قاطعة على حضور الزهراء عليها السلام لمئات الألوف من مجالس الحسين عليه السلام في شتى أقطار العالم في وقت واحد )
الجواب:
مازلت أخي الكريم في تناول مفردة الحضور مقيداً بجوارحك المدركة فأنت مربوط في جوابك بالمحسوس والمرئي والمعقول في الزمان والمكان وقد أجبناك سلفاً فلا حاجة للإعادة وهنا أضيف وبالله أستعين:
وجود الزهراء عليها السلام ليس من ضرورات المذهب فعدم إيمانك بها تفصيلاً لا يضر في عقيدتك ولا تأثم لو لم تؤمن بها ولكن ليس لك حق الإساءة لمن يؤمن بها.
وهنا تقع في خلط وقد تسأل لماذا؟
نذكر لك رواية أخر أكثر صراحة وهي:
إن فضيلاً صنع مأتماً للحسين عليه السلام، ولم يخبر به إمامنا الصادق عليه السلام، فلما كان اليوم الثاني أقبل إلى الإمام روحي فداه، فقال له: يا فضيل أين كنت البارحة؟ قال: سيدي شغل عاقني ،فقال: يا فضيل لا تخفي علي، أما صنعت مأتماً وأقمت بدارك عزاء في مصاب جدي الحسين عليه السلام؟
فقال : بلى سيدي.
فقال عليه السلام: وأنا كنت حاضراً، قال: سيدي إذن ما رأيتك؟! أين كنت جالساً؟ فقال عليه السلام: لما أردت الخروج من البيت أما عثرت بثوب أبيض؟ قال: بلى سيدي،
قال عليه السلام: أنا كنت جالساً هناك، فقال له: سيدي لم جلست بباب البيت ولم تتصدر في المجلس؟ فقال الصادق عليه السلام: كانت جدتي فاطمة بصدر المجلس جالسة، لذا ما تصدرت إجلالاً لها. انتهى (٢)
هنا هذا التفصيل الوارد في هذه الرواية يوضح أن حضور أهل البيت عليهم السلام وخصوصاً الزهراء عليها السلام هو مما يقع، ولكن هل يجب الإيمان تفصيلاً بهذه القضية؟ إذن آمنت بها وبأن ذلك ممكن بإذن الله كان كمالاً في الإيمان وإن لم تؤمن بها لعدم الوثوق بالصدور فأنت معذور ولا تؤثم على ذلك وليس لك أن تنقم وتُنكر على من يؤمن بها.
فلذا لا يجب أن نحمل الرواية مالا تحتمل إذ ليس من المعقول أن تكون الزهراء عليها السلام لها نفس خصائص أجسادنا وتحضر في عدة أماكن، ولذا يجب أن يكون لها عليها السلام خصائص تختلف عنا مكّنها الله سبحانه بها أن تكون حاضرة في مجالس ولدها الحسين عليه السلام. وهذا المنطق ليس غريباً عن القرآن الكريم وكلنا نعلم بعرش بلقيس وكيف نُقل في طرفة عين بل أقل وشق البحر لموسى عليه السلام وانقلاب عصاه حية فخرق العادة الطبيعية سنة قد ذكرها القرآن، خصوصاً إذا كنت تملك مقدمة هامة جداً في أبحاث العقائد وهي أن الخلق لم يُخلق إلا لأجل محمد وآل محمد عليهم صلوات الله، فهل من المقبول أن يفضل غيرهم عليهم بالمعجزات وخوارق العادات وتعطيل الأسباب وهم لا يمكنهم ذلك بل لعل من الإجحاف والعياذ بالله أن نساويهم بهم عليهم السلام إذ ضرورة الأفضلية تحتم أن يكون لهم أفضل مما أعطي غيرهم وهم أدنى درجة منهم فهل هذا واضح أخي الكريم؟

السائل: الجانب الآخر من السؤال:
بما أن الأئمة عليهم السلام لهم المقدرة من قِبل الله على الوجود والحضور في هذه الدنيا
(مع أن أجسادهم عليهم السلام تجردت من الوجود الجسماني (المادي) في الدنيا) باعتبار أنها مدفونة تحت التراب وهذا لا يختلف عليه عاقلان ..
ولو سلمنا جدلًا بصحة أنهم يحضرون في الدنيا
لكن على أي أساس تم تخصيص الزهراء عليه السلام؟
لماذا لا نقول أن الإمام الحجة يحضر هذا الكم من المجالس في وقت واحد؟
باعتبار أنه يمتلك الأهلية في الحضور الوجودي بجسمه و روحه عن الزهراء عليها السلام لتوفر إمكانيات تصديقية و منطقية لوجوده على وجه الأرض..
الجواب عزيزي:
معذرة أخي العزيز لم تستطع حتى الآن أن تفكر خارج حواسك وخارج الزمان والمكان ونستطيع أن نجيبك على السؤال بأن أهل البيت عليهم السلام يتوارثون الكمال والتمام كابراً عن كابر وهناك شواهد من الروايات تؤكد ذلك المعنى نذكر بعضها:
فعن حبة العرني عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
(أنا سيد الأولين والآخرين، وأنت يا علي سيد الخلائق بعدي، أولنا كآخرنا و آخرنا كأولنا).(٣)
وروي
قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل: ” فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا (2) ” فقال: يا أبا خالد النور والله الأئمة من آل محمد صلى الله عليه وآله إلى يوم القيامة، وهم والله نور الله الذي أنزل، وهم والله نور الله في السماوات وفي الأرض، والله يا أبا خالد لنور الامام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار، وهم والله ينورون قلوب المؤمنين، ويحجب الله عز وجل نورهم عمن يشاء فتضللهم قلوبهم، والله يا أبا خالد لا يحبنا عبد ويتولانا حتى يطهر الله قلبه ولا يطهر الله قلب عبد حتى يسلم لنا ويكون سلما لنا فإذا كان سلما لنا سلمه الله من شديد الحساب وآمنه من فزع يوم القيامة الأكبر.(٤)
هذه الرواية عجيبة جداً لمن يريد التأمل بعين القلب وأيضاً مثل هذه الرواية لو لم شكيت في صدورها عن المعصوم بعذر مقبول عقلاً وشرعاً لا تؤاخذ لأنها من المعارف الإيمان بها كمال في اليقين.
وهنا تعليق أرجو أن تتنبه له:
حين تقول: (دفنت أجسادهم): من قال لك: إن الجسد عائق يمنع أهل البيت من دخولهم الدنيا من عدمها غفر الله لك وقد أشرنا لك أخي الكريم أن الموضوع إذا كان متعلقاً بمسبب الأسباب ومعطلها وخالقها فما هو المانع العقلي من حدوثها وقد ذكرنا لك شواهد من القرآن الكريم صريحة فحكم الأمثال فيما يجوز ومالا يجوز واحد كما قال تعالى ( ﴿وَتِلكَ الأَمثالُ نَضرِبُها لِلنّاسِ وَما يَعقِلُها إِلَّا العالِمونَ﴾[العنكبوت: ٤٣]
أرجو أن أكون أنا المقصر وعسى أن أكون وضحت ماتريد وأريد ان انتقل إلى ما الغرض من وجود الزهراء عليها السلام في مجالس الحسين عليه السلام وهل له فائدة أم لا؟

السائل:
سأختصر لك عما أدليته أنتَ من هذا كله يا صديقي العزيز بسؤال وأحد لو تكرمت أن تجيب عليه.
هل من الممكن أن تضع لي نسبة حضور الزهراء عليها السلام للحسينية التي ستحضر عندها غدًا ولو ١ ٪ ؟

الجواب:
نرجو حضورها في كل مجالس ابنها الحسين عليه السلام لأن الموضوع ليس مربوطاً بمحسوس ومدرك ومعقول بل هي تحضر بقدرة الله سبحانه في كل مكان.

السائل:
جميل..
إذن دعنا نبحث عنها غدًا في الحسينية لعلنا نتشرف برؤية حضورها المقدس عليها السلام أرواحنا لتراب مقدمها الفداء
و نسلم عليها ولو من بعيد ..

الجواب:
يا أخي العزيز لا تبحث عنها بجوارحك وإنما ابحث عنها بقلبك ستجدها حاضره لتجزيك أجر دموعك يوم القيامة.
وفي الرواية عن أبي الحسن الموصلي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: جاء حبر إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك حين عبدته؟ قال: فقال:
ويلك ما كنت أعبد ربا لم أره، قال: وكيف رأيته؟ قال: ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الابصار ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان..(٥)
فتأمل أخي العزيز قلبك فإنك ستجدها حاضرة كما هي وهي فِي وجودها الغيبي تدرك بالقلب لا العين وقد أكد أمير المؤمنين عليه السلام أن للقلب إدراكا يتعلق بالمجردات كما أن للحواس إدراكا يتعلق بالمحسوسات وهي عليها السلام لا تحضر بوجودها المحسوس.

محطتنا الأخيرة:
ما هو الغرض من وجودها؟
المحطة الثالث: ما هو فلسفة حضور الزهراء عليها السلام اي هل هناك غرض ينفع المكلف ويقربه من الله سبحانه وأوليائه عليهم السلام فينال بذلك الثواب والأجر الجزيل يوم القيامة أم لا؟
الجواب:
لا شك أن استشعار حضور أهل البيت عليهم السلام في مأتم الحسين عليه السلام يساعد على إدرار الدمعة على سيد الشهداء لأنك تدرك ذلك بقلبك فحضور شخصيات مقدسة تعظم لهم الأجر يهيج مشاعر الولاء والحب والمودة لهم عليهم السلام التي أوصانا بها القرآن الكريم في قوله تعالى:
( .. قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى.. ) ٢٣ الشورى.
ولكي تكون شاهدة لك يوم القيامة كي ترفع عملك مقبولا عند الله كي تستغفر لك ربها فتُحفظ في دينك ونفسك وأهلك وعيالك ومجتمعك.

أسأل من الله أن أكون موفقا في توضيح الصورة لك كما ينبغي ولك مني جزيل الشكر وعظيم العرفان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

———
(1)جامع أحاديث الشيعة – السيد البروجردي ج ١٢ ص ٣٧٠.
(٢)هذه ينقلها صاحب كتاب ثمرات الأعواد ج١ ص٣١ .
(٣)بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج ٢٥ ص ٣٦٠.
(٤) الكافي – الشيخ الكليني – ج ١ – الصفحة ١٩٤
(٥) الكافي – الشيخ الكليني ج ١ ص ٩٨

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى