بشائر الوطن

دراسة: هل يؤثر ترتيب مولد شخص في العائلة على شخصيته ؟

ترجمة: عدنان أحمد الحاجي

هل يؤثر ترتيب مولد شخص (في العائلة) على شخصيته ؟

يتحقق باحثون من القول المأثور القديم بأن ترتيب الميلاد يلعب دورًا مهمًا في تشكيل من نحن

على الرغم من تقاسم الجينات والبيئات، فإن الأخوة والأخوات لا يتشابهون في الغالب في الطبيعة كما قد يتصور المرء، لكن من أين تأتي الاختلافات المفترضة؟ ألفريد أدلر. وهو معالج نفسي نمساوي في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ومؤسس علم النفس الفردي، يظن أن ترتيب الميلاد يؤدي إلى اختلافات بين الأخوة/الأخوات.

أعتبر أدلر أن الأطفال البكر عصابيون، لأنهم لا يضطرون إلى مشاركة والديهم لسنوات ويتم عزلهم أساسًا بمجرد ولادة أخ/أخت لهم.  كما أنه يعتبر أكبر الأطفال سناً وباراً ب (مطيعاً)لـ والديه وفي بعض الأحيان متحفظاً (حذراً).  وفقاً لأدلر، أصغر الأطفال يكون طموحاً، في حين يوضع الأطفال  الأوسطيين في الأسرة بالنحو الأمثل ويتميزون بالاستقرار العاطفي. أدلر نفسه كان الثاني من سبعة أطفال.

عالم النفس الأمريكي فرانك جيه سولواي، الذي كان يُحبِك في منتصف تسعينيات القرن الماضي كتب التاريخ لشخصيات بارزة من الذين ولدوا بكراً لوالديهم والشخصيات المتمردة التي ولدت لاحقًا، رأى اتجاهًا مشابهًا. ومن بين المولودين لاحقًا ك، وجد مفكرين جانبيين وثوريو، مثل تشارلز داروين وكارل ماركس والمهاتما غاندي. بين الذين ولدوا بكراً لوالديهم، اكتشف قادة مثل جوزيف ستالين وبينيتو موسوليني. فماذا كان تفسيره؟ يحتل كل طفل مكانة معينة داخل الأسرة ثم يستخدم استراتيجياته الخاصة لإتقان الحياة. لدى الأطفال البكر والأطفال الوحيدين لوالديهم (ليس لهم اخوة أو أخوات) سبب أقل للتخاصم مع الوضع الراهن ويتعاطفون  بقوة مع  النظرة الكونية لوالديهم . الأشقاء الأصغر سناً هم أقل ثقة بوجهة نظر والديهم، وبالتالي في كثير من الأحيان يختارون مسارات بديلة في الحياة.

هكذا تصنيفات تكون شائعة لأنها بديهية إلى حد ما، ويمكن للمرء أن يجد دائمًا مثالًا للأخت الكبيرة المنطقية أو الأخ الشاب المتمرد في دائرة معارفه (من يعرف). على هذا النحو لا تزال كلمات أدلر تظهر بانتظام في الإرشادات التعليمية وتواصل صداها في أذهان أولياء الأمور.

علاوة على ذلك، أكدت بعض الدراسات فكرة أن وضع الأخ/الأخت يمكن أن يشكل الشخصية. على سبيل المثال، أظهرت دراسة استقصائية أجريت عام ١٩٦٨ أنه، مقارنةً بالمواليد المتأخرين المواليد الأوائل هم أقل احتمالاً للمشاركة في الرياضات الخطرة بسبب مخاوفهم من الإصابة البدنية.

وأظهرت دراسة أجريت عام ١٩٨٠ على ١٧٠ طالبة جامعية و ١٤٢ طالب جامعي انخفاض القلق وارتفاع الأنا لدى المولودين بكراً  منهم ، كما قيست في استبيان سمات الشخصية ل هوارث .  في بعض الأحيان، استخدمت هذه الأبحاث أساليب موضع  تساؤل.

على سبيل المثال، غالبًا ما يُطلب من أفراد الأسرة نفسها تقييم أنفسهم من حيث الإجتماع/التّخَالط مع الغير والانفتاح (فضولي/خلّاق، مقابل، ثابت/متحفظ) والضمير (الوعي)والتسامح والعصابية

المهم هو أن هذه المسوحات الإستقصائية قد أجريت في فترة زمنية واحدة فقط. وبالتالي فإن الأشقاء الأكبر سناً لم يكونوا أول من ولدوا فحسب بل وأيضًا ببساطة  هم أيضاً  أكبر سناً. من المعروف منذ فترة طويلة أن المراهقين يصبحون أكثر وعياً مع تقدمهم في العمر. يمكن أن يفسر هذا الاتجاه جزءًا كبيرًا من النتائج. كان الخلل المنهجي الآخر هو أن شخصًا واحدًا فقط يقيم شخصيته أو يقيم شخصيات إخوته/أخواته. هذا التفصيل مهم لأن الفهم (التصور) الذاتي، وتصور  (وفهم) الآخرين قد يختلفان إلى حد كبير في بعض الأحيان.

بالإضافة إلى ذلك ، قد يضم  الأشخاص الخاضعين للاختبار  كليشيهات الأشقاء الأكبر سنًا البارين بوالديهم    والكوزموبوليتانين cosmopolitan (المتحررين  من الأحقاد القومية او المحلية) المولودين في وقت لاحق  بشكل لاواعي في تقييمهم ، وبالتالي قد يكونون قد حققوا النتيجة المتوقعة بأنفسهم.

في هذه الأثناء ، وجد الباحثون الذين قاموا بتحليل البيانات الكبيرة العابرة للحدود الوطنية ومقارنة العائلات المختلفة مع بعضها البعض أن تأثير تسلسل ولادة  الأخ/الأخت على الشخصية يختفي بالكامل تقريبًا.  قام الباحثون بقيادة الخبيرة النفسية جوليا روهر من جامعة لايبزغ في ألمانيا بتقييم بيانات أكثر من ٢٠ ألف شخص  من ألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة تمت مقابلتهم وقارنوا بين السمات الشخصية للأشقاء ولكن أيضًا لأشخاص مختلفين في تسلسل الولادة لم يلتقوا بهم  قط.  لم يكتشف أخصائيوا علم النفس في جامعة لايبزيغ أي اختلافات منهجية في الشخصية.

في مثل هذه الدراسات، يجب أن يكون الباحثون حذرين بشكل خاص لأنه، بالإضافة إلى العمر، فإن حجم أسرة الشخص هو عامل آخر متداخل  مع ترتيب الأخ/الأخت. طفل من عائلة مكونة من أربعة أفراد لديه فرصة بنسبة ٥٠ بالمائة في أن يصبح المولود البكر للعائلة ؛ كلما زاد عدد الأشقاء/الشقيقات ، كلما انخفض  الاحتمال في كون الطفل المولود البكر .

على سبيل المثال حقيقة أن العديد من رواد الفضاء هم المواليد البكر  لا تدعم بالضرورة السمات الخاصة لأولئك الذين يولدون أولاً.  من المحتمل جداً أن العديد من رواد الفضاء قد أتوا من عائلات حجمها أصغر.  لمعرفة هذه التأثيرات بشكل أفضل، تحكمت  control for روهر Rohrer وفريقها في عدد الأشقاء (لتحييد عدد الأشقاء من التأثير في النتيجة).  ذلك لأنه عندما يكون هناك مزيد منهم ، هناك عدد أكبر من الذين يُولدون  لاحقاً. لذلك قد يفترض الباحثون أن الذين وُلدوا لاحقًا قد يظهرون في كثير من الأحيان في عائلات من الطبقات الاجتماعية والاقتصادية الأقل مستوى والتي قد تفسر الاختلافات بين أطفال الأسر ذات الأحجام المختلفة.

كلما كانت العينة أكبر ، كلما تم اكتشاف تأثيرات أصغر وأصغر  جداً.  على سبيل المثال ، في دراسة أجريت عام ٢٠١٥ ، شملت ٣٧٧ ألف من طلاب المدارس الثانوية ، اكتشفت المتخصصة في علم النفس روديكا داميان وزميلها برنت و. روبرتس ، وكلاهما في جامعة إلينوي في مدينة أوربانا شامبين ، أن من يولدون بكراً  يميلون إلى أن يكونوا أكثر وعياً واختلاظاً، ولديهم رغبة في القيادة.  وبعكس التوقعات ، كانوا أيضًا أكثر تسامحًا واستقرارًا من الناحية العاطفية من المراهقين الذين لديهم  أشقاء أكبر سناً.  ومع ذلك ، كانت الاختلافات صغيرة للغاية، وخلص الباحثون إلى أن الأهمية التي تعلق بشكل عام على موضع ترتيب الأخوة/الأخوات في تشكيل شخصية الفرد مبالغ فيها.

يقول فرانك سبيناث، باحث علم  النفس بجامعة سارلاند بألمانيا: “من الممكن تمامًا أن يكون موضع الشخص  في تسلسل الأخوة/الأخوات هو الذي يشكل الشخصية – ولكن ليس في كل عائلة بالطريقة نفسها”.  بعبارة أخرى ، قد يكون هناك تأثير ولكن ليس منهجياً.  ومع ذلك ، فإن التأثيرات الأخرى لها وزن أكبر عندما يتعلق الأمر بالاختلافات في شخصية الأشقاء/الشقيقات.  بالإضافة إلى الجينات ، تلعب البيئة المشاعة أيضًا دورًا. “علاوة على ذلك ، لا يتعامل أولياء الأمور مع أطفالهم بالطريقة نفسها بغض النظر عن ترتيب ميلادهم.  تشير الدراسات إلى أن أولياء الأمور يتفاعلون بحساسية مع المزاج الفطري لذريتهم ويكيفون طريقة تربيتهم وفقًا لذلك.

كما وجدت دراسة داميان أن المولدين البكر يتمتعون في المتوسط بميزة معدل ذكاء صغيرة مقارنة بأشقائهم الأصغر سنًا.  يميل المولودون أولاً أيضًا إلى إكمال تعليمهم بشهادات تعليمية  أعلى ويختارون مهناً مرموقة تقليديًا ، كالطب أو الهندسة.

كيف حصلت هذه الميزة الفكرية؟  قد يكون أدلر محقًا في أن الاهتمام الكامل الذي يُولى للطفل الأول في بداية حياته يعزز القدرات المعرفية.  هذه الميزة واضحة بالفعل عند بلوغه  السنة الثانية.  أظهر الباحثان النرويجيان بيتر كريستنسن وتور بجيركدال بشكل حاذق أن الفرق في الذكاء لا يرتبط بعوامل بيولوجية كان البعض يشتبه في أنه قد يكون مرتبطًا بالظروف المادية أثناء الحمل، أجروا اختباراً على الأطفال الذين مات أشقاؤهم الأكبر سنًا.

كان افتراض الباحثين أنه على الرغم من أن هؤلاء الأطفال كانوا أشقاء أصغر سنا من الناحية البيولوجية ، إلا أنهم اضطلعوا بدور المولود بكراً في الأسرة. بالمقارنة مع الأخوة والأخوات الأصغر سناً، فقد حققوا نتائج أفضل في اختبارات الذكاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى