أقلام

حتى الأبناء الصغار يريدون أن يكونوا مليونيرات

 أمير الصالح

بعد عدة نقاشات صريحة وأحاديث مطولة شفافة مع ابني الأصغر، لوعظه في تقليل عدد ساعات اللعب على جهاز البلايستيشن أو مشاهدة اليوتيوب في بعض الأحيان. صدمني ابني بالدافع الرئيس له في تبرير استنزاف وقت طويل باللعب الإلكتروني والمشاهدات لمقاطع لعب الإلكترونيات، بقوله أنه يبحث عن أحد طرق الثراء السريع من خلال منافسات تصفيات الألعاب الإلكترونية. بعد أخذ الإذن منه في نشر بعض حديثي معه، أشارك القراء الكرام جزء من النقاش الذي دار بيني وابني الأصغر بهدف مشاركة التجارب واستنطاق الحوارات الهادفة وردم فروقات الفهم الخاطئ بين الأجيال.

في معرض نقاشنا، قال ابني الأصغر: بابا كم هو راتبك الشهري مقارنة بما يحصده نجوم العالم الافتراضي ؟! فقلت له: ولماذا تسأل عن راتبي الشهري؟ الحمد لله بذلت جهدي في التحصيل العلمي واستحصلت وظيفة مرموقة وأنا أوفر لك ولإخوانك بحمد الله كل ما تحتاجونه وهذا فضل كبير من الله.

فرد ابني الصغير: هل تعلم يا أبي أن الفوز في دوري بعض المسابقات لبعض الألعاب الالكترونية يجعلني أستغني عن الوظيفة وللأبد. فمثلاً، إذا تفوقت في لعبة فورتنايت استطيع أن أشارك في مسابقات تُعقد بأوروبا وأحقق ملايين الدولارات إذا فزت، وعندها أكون أغنى فرد في أسرتي، وسأجلب لك كل شي تحبه وسأذهب بك وأمي إلى مكة المكرمة وسأشتري لك سيارة جديدة. ثم ذكر استشهاداً وتعزيزاً اسماء مثل Evan في youtube وجالبس وغيره. وبحثت في النت تحت عنوان Millennial kids can earn $10,000 a month playing video games.

ابتسمت واحتضنته وقلت له: أنا سعيد بأن يكون لديك طموح عال وأن تسعى نحو تحقيقه، ولكن يبدو أنك أغفلت الكثير من الحقائق وأن بريق بعض الدعايات الإعلامية الكاذبة قد أوقعتك في شراكها. فرد ابني الصغير منفعلا: أبي، أنت دائما تشكك في الدعايات ولا تصدق كل ما يقال في التلفزيون.

قلت له: بُني حبيبي الدنيا فيها من يسعى بالخير وفيها من يسعى بالشر ولابد أن أساعدك لاكتساب مهارات أساسية لكي تكتسب لقمة عيشك وتصون ماء وجهك من أي حاجة للآخرين والتعليم هو الطريق الآمن لبلوغ ذلك وكذلك التجارة. من حقك على والديك أن نقوي ملكاتك على التمحيص بين الخير والشر ونربيك على مفاهيم الخير والتعامل مع الواقع لتنطلق نحو أهدافك بكل أمان وثقة ورصانة وواقعية. الجلوس أمام شاشة الكمبيوتر أو الجوال لمدد زمنية طويلة سيؤثر بك إن عاجلا أو آجلا لاسيما على عضلة رقبتك وصحتك وبصرك وحتى يصبح أفق تفكيرك مؤطرا وتكون حبيس الشاشة وتفقد لياقتك البدنية مع مرور الوقت. ربما يا بني من الجيد أن تطور مهارات وقدرات كثيرة لتكون مليونيرا حقيقيا يوما ما وأنت في كامل صحتك و ليس عبر الأحلام والتمدد أمام شاشات الحاسوب وإهمال الواجبات المدرسية أو المنزلية أو العلاقات الاجتماعية على أمل الفوز في المستقبل بشيء غير معلوم وجوده بعد فترة من الزمن. تذكر يا بني أني أحبك كما أنت، وإني أعلم أن وسائل كسب العيش والرزق تغيرت مع تغير أدواتها في هذا الزمن. فأنا عندما كنت في عمرك، كان لدي حلم أن أكون لاعب كرة قدم مشهور جدا وأحقق مكاسب مالية عالية لصفقات بأرقام فلكية كما كنت أشاهد في التلفزيون وأقرأ في الصحف. ومع مضي الوقت وترادف السنون، اكتشفت أشياء عديدة ومنها أن أحلام اليقظة تأكل الوقت وليس لها أي قيمة في أرض الواقع. كما أني عرفت حينذاك أن لعبة خلق الإدمان وسيلان لعاب المتابعين تحتاج من الشركة صاحبة المشروع التجاري للألعاب الالكترونية خلق فائزين بين الحين والحين بعدد قليل جدا لضخ المزيد من الدعاية والترويج وبث روح طول الأمل في جسم البقية من الناس لاسيما الصغار من عمرك وضمان استمرار الإدمان من قبل المتابعين الآخرين كما هو الحال في مسلسلات الإثارة للكبار. لو دققت فإن عدد أهل الملايين من الأطفال عن طريق الألعاب الإلكترونية قليل جدا إلا أن الضجة والهالة الإعلامية تركت الانطباع لديك ولدى الكثير أن كل أطفال دولة معينة هم أثرياء!

وهذا ليس بصحيح.

في مقتبل شبابي استفدت الكثير مما علمني إياه والدي، أدام الله عزه، من الأمور التي أعانتني على إدارة شؤون حياتي وحفظني الله بسبب تطبيقها من الوقوع في الفخاخ والشراك لتلكم الدعايات المظللة والهادرة للوقت والتي تجعل البعض من الناس يعيش في سراب مستدام، فضلاً عن أنني بحمد الله نجوت من الاكتئابات والاحباطات المتوالية التي وقع فيها أناس آخرون ظلوا ينساقون خلف الدعايات المضللة لعقود من الزمن معلقين بآمال لا وجود لها بالواقع.

بني تعلمت بأن:

١- الاستشعار بأهمية إدارة الوقت،

٢- مهارات التفكير النقدي ( critical thinking)،

٣- الإبداع ( creativity )،

٤- الوفاء بالالتزام (team commitment)،

٦- التواضع ( humility )،

٧- العطاء والابتعاد عن الأنانية ( unslefish giving)،

٨- التقييم الموضوعي ( fair judgement) ،

٩- الكرامة (integrity )،

١٠- الإعتماد على الذات ( self confidence )،

١١- التفاؤل والصبر،

١٢- النظرة الإيجابية الواقعية،

١٣- الانحياز لنتائج وعدم البحث عن تبريرات،

١٤- الابتعاد عن التشويشات في التحصيل الدراسي والتركيز على المفيد الذي يمكن تحقيقه بيدي،

١٥- وفوق كل ذلك تعلمت أن أكون مستمعا نشيطا ( active listening ) وإنسانا نشيطا.

هذه الخصال تحتاج يا ابني إلى جهد ووقت لاكتسابها وممارستها. أما تسويق الأحلام وبيع التمنيات بالثراء السريع من خلال ضربة حظ فمعظم الناس في هذه الدنيا يحملون نفس التمنيات ويتطلعون لنفس الحلم أي الثراء السهل والسريع دونما جهد. إلا أنه فقط وفقط المجدين ومن لهم حظ وتوفيق وصلو لتحقيق أمانيهم.

بُني، تذكر أنه ليس هناك عاقل يوزع أموالا مجانا وإنما دورة المال الواقعية تنطق بأن المال يجب استحصاله من خلال العمل الشريف وليس النصب والاحتيال. واختصارا ولتفعيل دروس الاقتصاد في نفسك، فمن الآن فصاعدا عندما أعطيك مبلغا فقسمه على ثلاث صناديق. صندوق للمصروفات وصندوق للاستثمار وصندوق للتوفير. إذا تعلمت التوفير والاستثمار من نعومة أظافرك فباذن الله النجاح حليفك وأقل النجاح في ذلك حفظ كرامتك المالية. تخيل أنك تعلمت أن تستثمر في بعض الأسهم أو التجارة أو الأعمال الصناعية، فلو بدأت على سبيل المثال في الشراء بأسهم Netflix فإن سهمها نمى بما يوازي ١٣،٢٠٩ ٪؜ منذ عام ٢٠٠٤ حتى ٢٠١٩ م. ولو صرفت جهدك في تعلم أساليب التوفير فإنك تحفظ ماء وجهك عن السؤال أو السلف أو الاقتراض ولو تعلمت فقط الصرف وأصبحت إنسانا مستهلكا فقط فإنك حتما ستكون مدان لأحد البنوك أو لأحد أقاربك. فاحرص على أن تزرع سلوك المليونير المثابر في نفسك للوصول للهدف وليس سلوك المستهلك المسرف الكسول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى