أقلام

إعتذار

أمير الصالح

في مرحلة المراهقة، كم كنت أتفنن للعزوف او الإعراض عن تناول بعض الأكلات التي تحضرها والدتي، حفظها الله، متذرعا تارة بعدم تقبلي للطبخة لأنها تقليدية (هريسة/ عصيدة/ ثريد)، وتارة أخرى أعرض عن الأكل بالمنزل لوجود آثار لطعم الثوم في الطبخة أو لوجود آثار شحم في مرقة اللحم بالخضار أو لوجود نكهة توابل شبه بارزة أو لأني لا أطيق رائحة السمك أو لأن شكل الربيان مقزز، وآكل تصبيرة من أكياس فش فاش أو بفك أو بسكوت مينو حتى دخول وقت المغرب، أهرع حينذاك بتناول ساندويتش شاورما مع بعض الأصدقاء وعلى غفلة من والداي في المطعم اللبناني المميز المتواجد على بعد شارعين من منزل أهلي أو تناول ساندويتش فلافل. يحدث ذلك الحدث بمعدل مرة واحدة في الشهر أي أن آكل خارج المنزل.

لم أعر انتباه لحجم الجهد الذي يبذله والدي العزيز لجلب أموال الإيدامات اليومية التي يمونها للبيت، ولم ألتفت لحجم الجهد الذي تبذله والدتي لتحضير كبسة الرز باللحم أو كبسة السمك. وكل همي هو إشباع ذائقتي وإرضاء مزاجي في الأكل وعدم مراعاة شعور وجهود والداي.

كان بعض إخواني يستاء من مزاجي في ميلي الانتقائي في الأكل ويعبرون عن تململهم من مزاجي مع أن بعضهم لديه تفضيلات في الأطعمة. وكانت بالنسبة لي كبسة الدجاج عند إعدادها في منزلنا وجبة مبهجة بالنسبة لي ولحظات تعيسة لبعض إخواني ممن لا يحب اكل الدجاج. كافحت والدتي جزاها الله خيرا لجميل صنيعها فينا وامتداد جميل طبخها لعمل توازن في ارضاء الأذواق المختلفة لي ولإخواني.

كبرت وتعينت وظيفيا في مدينة أخرى وكونت أسرة؛ ورزقني الله من فضله أربع أبناء. وكل منهم له ذوق في الأكل مختلف عن اخوته ولامست بعين البصيرة والمسؤولية ما تعانيه زوجتي في إعداد عدة أطباق في ذات وقت الوجبة الواحدة للتأكد من أن كل فرد من أفراد الأسرة تناول وجبته. فضلا بأن كلا منهم يطلب وجبة العشاء من مطعم بمعدل ٤ أيام في الأسبوع.

يومذاك اتصلت هاتفيا بأمي وكنت أحتبس اعتذاري بين شفتاي ولم أصرح به ولسان حالي “أعتذر لك يا أمي ويا أبي لما سببت لكما من متاعب في سبيل إشباعكم إياي لمعدتي”. وفور أن تكلمت والدتي في الهاتف، بادرتها: أمي، اشتقت لك ولكل طبخاتك وأبشرك الآن عندي استعداد أن آكل هريس وجريش وكراعين ومرق لحم بالشحم. فقالت وهي مستبشرة: ماذا حل بك؟ قلت لها: علمني الزمان وأراني ولو بعد حين بأنني من المفترض أن أحب أكل بيتنا بكل ما فيه. أمي لا أخفيك أنه يعتصر قلبي عندما أشاهد كمية الأكل المحشو في الثلاجة وأدراج المطبخ و في نفس الوقت يتسلل بعض أبنائي لجلب وجبته كالهمبرغر أو الشاورما من مطعم مجاور أو عن طريق تطبيق كاريج أو هنجرستيشن.
فقالت لي والدتي: (لقد كان في يوسف واخوته آيات للسائلين). اعتذاري هذا دونته هنا وهناك حتى يستفيد من يود الاستفادة ولعل من يقرأ هذا المقال قد يبادر في الاعتذار لوالديه ولو في أقل الأمور ولعل أبناء الجيل الحاضر يستفيد من هكذا اعتذار.

ملحوظة: عمدا تجنبت إيراد أي أخبار عن حجم التلوث في أطعمة المطاعم أو سوء النظافة للعمال والمستودعات وفساد اللحوم وسوء تخزين الأغذية بالمطاعم وصعود نسبة إمكانية الإصابة بأمراض معدية كالإسهال نتيجة تلكم العوارض لكي لا يحتج بعض القراء على المقال ولكي يراجع المنصف لنفسه في تعاطيه بجدية واحترام لمطبخ والدته.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. اخي العزيز أمير
    السلام عليكم. ما تكتبه ممتع وتعبر عما نشعر به, كما أن فيه صور من الماضي الجميل.
    شكرا لك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى