أقلام

ذوبان المصداقية

البعض يعبث بالمفاهيم الجميلة ويذيب المصداقية عن نفسه لعدم توافق أفعاله و ما يردده من أقوال و تصريحات ترن في أسماع المحيطين به. نعلم جميعاً بـ أن كل إنسان له اعتداد بنفسه واهتمام بـ أن يدعي الصفات الجميلة الى نفسه؛ مثل الشجاعة، التقوى، الوفاء،حسن الجيرة وغيرها.
و هناك من الناس من تتكشف مع الأيام تطابق الإدعاء مع الأقوال في حق ذاته، و هناك من مع الأيام تتكشف التناقضات فيه. وحتى الأفعال والوفاء بالالتزامات البسيطة؛ ك الالتزام بالمواعيد بالدقة، التي لها وقعها في النفوس وانعكاسها على المصداقية.
ولعل من يتدارس مع نفسه بعين البصيرة والتأمل يصل الى غربلة المحيط البشري والاجتماعي بدرجة وضح ممن يعيش بالمجاملات الصفراء ويلغي دور عقله النقدي والمقارن والواقعي. وهناك درجات متفاوتة من ذوبان المصداقية بناءً على درجة التأثير الاجتماعي أو المكانة المغطاة له في نفوس الناس.
فقد تكون درجة الذوبان لا تتعدى التملص من التزام بعد إطلاق والترويج لدعوة محددة أو التخلي عن الوفاء من أحد الأطراف نحو الأطراف الأخرى في نشاط أو إيفاء إيجار أو انشغال ذمة مالية معينة أو تعاهد عمل مشترك أو إيصال رسالة محدده. وقد يكون الذوبان للمصداقية بدرجة أعمق من ذاك لما لها من تدحرجات كبيرة وأبعاد زمنية بعيدة المدى.
فعلى سبيل المثال كم من خطيب يتحدث عن الزهد والدعوة لمجالسة الفقراء والتقوى وتراه فعليا لا يجالس الا أصحاب رؤوس الأموال و أصحاب الولائم الفخمة !
وكم من مدير مالي يتكلم عن النزاهة ونظافة الذمة المالية وفعلياً ينكشف مع الأيام تورطه في رشاوي واختلاسات وتلاعب بالتقارير من أجل مصالح نفسه.
وكم من مدير عام في شركة قطاع عام يتكلم عن الالتزام بوقت الدوام و الانجاز والموضوعية وعدم العنصرية وتتكشف مع الأيام انه كان منعدم الانضباط ومتدني الأخلاق و منحاز وعنصري حتى النخاع ومناطقي حتى الثمالة.
و كم من منتحل صفة صديق تتكشف الأقنعة مع الأيام فتبطل كل ادعاءاته بحسن الوفاء و المساندة و المكاشفة. وكم من علماني مدعي العلمانية فتراه مع أي حدث يلغي كل المفاهيم التي يدعيها ويصطف مع أبناء قبيلته و لايتورع أن يكيل السباب للاخرين ويصفهم بما ليس فيهم ليشوه سمعتهم وينفر الناس منهم، و كم من مدعي التدين ومع أقل نقاش أو نقد فكري لا يجيد أبحاثه يرمي الأخرين بالفسق و لايتورع أن يتهمهم بما ليس فيهم ليلطخ و يشوه سمعتهم!
قد يكون ما هو أكثر من الامثلة السابقة في مدونة كل واحد من القراء الكرام و لكن ساكتفي بذلك .

في بداية أيام أي علاقة إنسانية نظيفة، الجميع يحسن الظن بالجميع وفي المبدأ أن الناس صادقين بأقوالهم حتى يتبين عكس ذلك. المصداقية تترسخ أقدامها مع الأيام و تقلب الاحوال و حسن الثبات من مدعيها على المبادئ و القيم الرفيعة. اما الإدعاء فهناك عدد ليس بالقليل من البشر ” يدعي ” زورا و بهتاناً بصفات جميلة ينسبونها لـ أنفسهم و أفعالهم تنم عن انهم يفتقدونها .

من الجيد أن يطور الانسان ملكة المحاسبة لنفسه لتكون درجة مصداقيته أعلى ولكلماته وقع فعلي أكبر في النفوس المحيطة به .
فالزهد و الوفاء والتقوى والشجاعة والكرم و المؤازرة وحسن الصداقة والعلم والثقافة واحترام الآخرين وحب الحرية و … و .. صفات جميلة والكل يدعي بها وصالاً . إلا أنه واقعياً نرى أشخاص يتجرأون كذباً و زوراً بإسباغ صفات حميدة على أنفسهم وهم أفقر الناس فيها . فمن أرخص الناس قيمة في نفسه و في أعين العقلاء و أهل البصيرة هو ذاك الشخص الذي :
” يدعي جميل صفات ليست فيه و منتحلاً أفعال أشخاص ذوي مقام عال هو يبغضهم أو يكيل العداء لهم من اجل إرضاء أناس هو لا يحبهم ولا يحبونه أو يتملقون له حظوة في ماله أو جاهه “

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى