أقلام

الطاولة المستطيلة والطاولة المستديرة

أمير الصالح

في معظم مكاتب الاجتماعات الكبرى نرى طاولات مستطيلة، ونرى في معظم المكاتب الداخلية  طاولات مستديرة أو بيضاوية.

قد يرى البعض أن الدافع لاختيار نوع الطاولة هو  المساحة المتاحة، أو يحدد نوع الطاولة عدد المجتمعين الذين سيحضرون عقد الاجتماع.

وحقيقة الأمر إن مضامينه أبعد من هذا وذاك .

إذا: ما الفيصل في ذلك؟

فكر قليلاً، واطرح السؤال ذاته لمن حولك، فقد تتلاقح الأفكار، وينتج عنه تصور مقبول عملياً.

دعني أشاركك بعض ماقرأته في هذا المضمار إذا سمحت.

يُقال: عُيِّن رئيس قضاة في أحد البلدان الأجنبيّة من قِبل كبير القضاة لقيادة لجنة عقد مقابلات شخصية، وانتقاء موظفين جدد لصالح وزارةالعدل،فعقد القاضي المخول بالمسؤولية جلسة عمل حول طاولة مستطيلة. أخذ القاضي مقعده في صدر الطاولة المستطيلة وانطلق فيمقابلاته،

لاحظ القاضي قلة تفاعل المرشحين الجدد  المُنتخبين للالتحاق بسلك القضاء، ثم تحقق من الموضوع، فوجد أن المرشحين يخافون من التفاعلمعه، و أنهم يشعرون بأن من يجلس عند صدر الطاولة يسيطر عليها، ويجب أن يسايروه في أراءه، وأفكاره، وأطروحاته ليحظوا بما ينشدون،وعادة ما تنتهي المقابلات بسرعة في حالة الطاولات المستطيلة.

في الفترة المسائية من يوم عقد المقابلات نفسه، تصادف نقل القاضي المنتدب للمقابلات الشخصية مع المتقدمين إلى غرفة عمل أخرى ذاتطاولة مستديرة، فلاحظ القاضي وأعضاء اللجنة ارتفاع منسوب المشاركة والحوار، والنقاش، والتفاعل والتعبير عن وجهات النظر من قبلالمتقدمين بطلبات وظيفية، ولوحظ بأن المقابلات التي تُجرى على طاولات مستطيلة تنتهي بسرعة أقل في حالة الطاولات المستديرة.

بعد الانتهاء من جميع المقابلات، رفع القاضي وأعضاء اللجنة تقريراً كاملاً إلى كبير القضاة متضمناً اقتراح منه بعقد كل المقابلات المقبلةوالمستقبلية حول طاولة مستديرة، و على الفور رد كبير القضاة بقرار، وتعميم على جميع الدوائر الخاضعة تحت سلطته في تلكم الدولة بإزالةالطاولات المستديرة من المكاتب وبإجراء كل المقابلات التوظيفية والبت في القضايا القانونية و المداولات الترافعية باستخدام مكاتب مجهزةبطاولات مستطيلة، وأن يجلس القاضي في صدر الطاولة. انصدم القاضي صاحب التوصية و أعضاء لجنته لهذا القرار، وطالب القاضيالمنتدب مقابلة مدير القضاة لبحث الموضوع. وفور تلبية طلبه جلس مع كبير القضاة وبادره بالسؤال عن حيثيات قراره الآنف الذكر، فرد كبيرالقضاه بالقول:نحن نعالج الموضوع من منظور توفير الوقت،  وتقليص عدد القضايا العالقة؟ وأنت تعالج الموضوع من منظور النقاشاتالمطولة، والبحوث الدقيقة. و هذا خلاف المؤشر  الذي اعتمدناه في دائرتنا“.

ومن هنا على الإنسان الذي يشغل منصب صانع القرار أن يحدد نوع المعالجات التي يريد أن يبحثها،  ومؤشرات نجاحها مع الآخرين،  ولاينسى رمزية اختيار نوع الطاولة المناسبة، و إن كان هو المراجع أو المتقدم للوظيفة أو المتابع لمطالبة ما، أو الباحث عن فرصة تجاريةاستثمارية، فعليه حسن قراءة توجهات رئيس الدائرة، أو رئيس الشركة،  أو رئيس الجهاز الذي سيتعامل معه ولو من خلال  شكل الطاولة التييجلسون إليها، و أن لا يكتفي بمن يقابلهم، فالقرار النهائي لمعاملته بيد صانع القرار في الشركة، وليس لدى كاتب محضر اللقاء،  أو منسقالطلبات أو المصدر لرقم المعاملة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى