أقلام

ورطة سفر

وعلى سياق الذكر السابق فقد كانت إحدى مهمات السفر الطريفة قد شملت إحضار عروس بكامل أناقتها، من بلدها ومرافقتها لحين زفتها في المطار عند الوصول وإلى شقة زوجها، كبير المهندسين الذي ضحى بتأخير دخلته على عروسة لحين أنجاز المشروع الذي يشرف عليه، فما كان من إدارة الشركة إلا أن رتبت له حفل الزواج في المنطقة، وأحضرت له زوجته من بلده إلى الصالة.

وكنت حينها في عز شبوبيتي ولم أكن قد تأهلت بعد، وقد صدر لي التكليف بالسفر إلى الشام برحلة مدتها يومين والعودة مع أمانة خاصة بمدير الشركة ( بدون تحديد نوعية الأمانة!). ولأن المهمة بسيطة فلم يكن هناك داعي للتسويف، فشددت حقيبتي الصغيرة مرددا في نفسي أنها مجرد يومين والمشوار قصير.

وبعد الوصول إلى الفندق حيث المبيت زارني مساءً ذالك اليوم رجل ختيار (كبير السن) يبدو عليه سمات الصالحين و وجه لي دعوة للغداء وأخبرني أن الأمانة التي أتيت لأجلها ستكون جاهزة خلال ثلاثة أيام !، ولأني لا أستطيع الانتظار اتصلت بالمدير لأخبره التأخير، فأصر على عدم الرجوع بدونها وصرح لي رسميا بالتسيح والتنزه على حساب الشركة ( يعني إجازة بالأمر) ولقتل الوقت بالسياحة لحين اكتمال تجهيز الأمانة، وقبلت دعوته وكانت شيئا غير مصدق إذ فرش أمامي سماط حوى على جميع الأكلات التي صنعت منزليا وخيل لي أن المعزومين كثار ولكن لم يكن هناك إلا أنا والشيخ و أحد أبناءه وقد أكلت رغبة بالأكل كم لقمة ولكنهم أرغموني على تذوق كل صحن وأكل لقيمات من هنا وهناك حتى أحسست أنني صرت كخروف العيد الذي يسمن بشكل مبرمج للذبح، وقد تعرفت لديهم على أفراد عائلتهم وكان بينهم بنت صبيه خجولة جدا أفادوني أنها سترحل أيضا إلى السعودية ولكنني لم أكن مركزا بالكلام وبالتالي لم أعي مالحكاية ولا زلت معتقدا أن الأمانة هو شيئا ما جماد علي استلامه منهم وتسليمه للسيد المدير، ولم أعرف ما كان مخبأ لي حينها.

وعند لحظات الاستعداد للسفر جاءت للفندق سيارة فارهة شبه رسمية وترجل سائقها ليدعوني أن كنت جاهزا لمرافقته للمطار وقلت أنا بانتظار الأمانة ولكنة أكد بأنني سأستلمها بالمطار، وبالفعل وصلنا هناك وبعد تدقيق وتشييك العفش والتذاكر كانت هناك مفاجأة من النوع الثقيل جداً، وإذا بالبنت الخجولة التي رأيتها منذ وقت في بيت أهلها تقف أمامي لابسة الرداء الأبيض وهي بكامل حلتها البهية وجمال العروس الصبية وإذا بوالدها العجوز يربت علي يدي ويقول بنتي أمانة معك توصلها ليد زوجها الذي سيكون بانتظاركم وعائلته بالمطار عند الوصول، ولكن يا عم هل هذه هي الأمانة التي كان المفروض بي حملها راجعا ؟ نعم قال باختصار فأحفظها، وأنا أتحملق قليلا خجلا مرة ومستغرب مرات إذ لم أكن أتصور هذا الموقف أو أستعد له من قبل.

وسرت مرة أمامها ومرة بجانبها ومرات مبتعداً عنها ولكن نظرات الناس والمسافرين من حولنا تحملق بنا ومنهم من يدعو ويبارك ويهني ومنهم من يهمهم ويولول وبدا على مرافقتي العروس الزيادة من الخجل وهي تحمل مسكة ورود بيديها تخفي بها وجهها وتستر خجلها ، ودخلنا الطائرة حيث جلست بجانبي وعندها تلعثم لساني فما ذا على أن أحادثها طوال الطريق وأنا لم أعرفها سوى من دقائق قليلة ، وفكرت كثيرا كيف أرفع عني الخوف وأن أخفف عنها من الخجل فسألتها عن زوجها وكيف عرفته ومنذ متى وأيضا كيف خططوا لهذا الزواج بهذه الطريقة اللطيفة والغريبة وثم بدأت أشرح لها قليلا عن البلد والبيئة والمجتمع وأنا أتطلع على ساعتي عدة مرات في الدقيقة وما أن حطت بنا الطائرة ودخلنا المطار ولمحت فرقة الاستقبال تحمل الورود وتردد الزغاريد حتى شعرت بثقل عظيم ينزاح عن صدري.

وحيث وصلنا من سوريا فقد تم استقبالها استقبال حافل ومشى الجميع برفقتها بزفة وموكب بهيج وحافل بينما لم يفتكر أحد بي أو حتى يعرض توصيلي للبيت ! فقلت في نفسي صحيح من لقي أحبابه نسى أصحابةّ وعدت متأبطا شنطتي منتظرا من يوصلني المنزل و ورطة سفر أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى