أقلام

ترى هل يهزمنا أو نهزمه؟

رباب النمر

هربت إلى سريري خوفاً،وخبّأت رأسي تحت الوسادة،وغطيته باللحاف هرباً من ذلك الوحش الذي يلاحقني في كل مكان أذهب إليه،ولم أسلم.
أغمضت عينيّ علّني أشعر ببعض أمان فتمثّل لي بصورة كرة خضراء عملاقة مخيفة يمتليء جسدها بالمجسّات البارزة تتدحرج على سفوح خيالي،وتخرج من دنيا أحلامي إلى الخارج.
كانت تتدحرج في سرعة مخيفة،وفي صورة هُلاميّة خفيّة. كانت تتنقل في رشاقة بين البشر وهم لا يرونها.
يبتسمون،ويتصافحون،ويتعانقونفتتشبث بأيديهم،وتتدحرج من كفّ إلى آخر دون أن يلمحوها رغم حجمها العملاق وشكلها المرعب.

تتسلل إلى حناجرهم قبل أن تمكث في رئاتهم وتدمر شعبها الهوائية،ثم تتسبب في تخشّب الرئات التي منها نتنفس،ثم تحكم بالموت إذا لم تجد أمامها مناعة قويّة،وحصانة شديدة!

وإذا ما لبثت في الجسد أخذت تلعب وتعربد،وتبث الخوف والهلع في كل الخلايا التي إذا ما اكتشف الأطباء وجودها وتغلغلها تعاملوا مع المريض باعتباره خطر محدق وجذام يصيب كل من يمسّه فيحكموا الإغلاق عليه بكل ما أوتوا من وسائل حجر صحيّ،ولفافات،وكمّامات لئلا يجرؤ (كورونا كوفيد 19) على انتهاك أجساد الآخرين،والتسلل منه إليهم.

لم تُشبِع (ووهان) الصينية جشع (كورونا كوفيد 19)ولا رغبتها في التمدد والتوسع،وكان يروقها الانتقال من جسد إلى آخر،ومن كف إلى أخرى،عبر مصافحة، ومعانقة،ورذاذ،وعطاس،وسعال حتى تمكنت من عبور الحدود،فغادرت الصين،وقفزت إلى مختلف القارات و استوطنت المدن والقرى لتحصل على لقب (وباء عالمي) أو(جائحة كبرى)!

كانت تتمشى وتُبيد.
كانت تكره اجتماعات البشر،وترشقهم برذاذ العدوى في كل اجتماع.
كانت تقهقه بصوت ساخر وهي ترى انفضاض التجمعات،وتقلّص بني البشر في بيوتهم.
تلذذت (كورونا كوفيد 19) بإغلاق بوابات المدارس،والجامعات،والمساجد،ودور العبادة،وقهقهت ساخرة حين أعلنت الفعاليات الثقافية،والرياضية،والترفيهية توقفها،ثم تربعت أمام التلفاز باسترخاء،ومددّت رجليها وراحت تحتسي الأرواح التي باتت تتزايد في كل اتجاه.

كنت أعتقد بأني أحلم،وبأن (كورونا كوفيد 19)وحشاً أسطورياً بجسد وألف رأس رأيته ذات إغفاءة في أفلام الخيال العلمي،ولكنني صحوت ووجدته يحاصرني في كل مكان.

أقلّب قنوات التلفاز فينط (كورونا كوفيد 19) متصدّرا منصات أخبار العالم في كل وكالات الأنباء،وفي كل شريط إخباري يلاحق الأعداد والإحصائيات،ومتربعاً في البرامج الصحية والتثقيفية،والتوعوية،ومجسداً دور البطل في كل شاردة وواردة.
أهرب من التلفاز إلى العالم الافتراضي ، فيصفعني(كورونا كوفيد 19) في كل تطبيق أهرب إليه،يتصدر تاقات تويتر،و أحاديث الواتس آب،وبروفايلات الفيس بوك،وقصص الانستقرام،ومقاطع سناب شات!

تسببت كورونا في إثارة صراعات عديدة بين البشر،وتراشقهم بالسباب الطائفي،والعرقي،المذهبي،وكانت ترمومتر كشف عن غياب الوعي والخوف والتستر،وفي ذات الوقت كشفت عن حالات مذهلة من الوعي الجمعي،ومن مد أيدي التعاون من أجل الصمود ومساعدة الآخر.

وأكاد أجزم بأن الحدث الأكثر سيطرة على عام 2020هي (كورونا كوفيد 19) بكل متعلقاتها الصحية،والاقتصادية،والثقافية،والدينية،والتعليمية.
كورونا التي تغلغلت في كل منافذ الحياة،وسيطرت على كل مجالات حياة البشر،وتشكلت في صورة فايروس لا تراه العين المجردة،ويمتاز بالقدرة التدميرية لكل ما لا يرغبه.

قد يختفي بغسل اليد وتعقيمها بالماء والمعقمات،وقد يتلاشى حين تبتعد الأيدي عن ملامسة الأنوف،والعيون،والأفواه،وحين يتجنب البشر تجمعاتهم ولقاءاتهم.

كورونا المدهش! الذي لا يرى بالبصر ويُرى بالباصرة!
ترى هل يهزمنا أو نهزمه؟

سؤال ستجيب عنه الأيام .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى