أقلام

طهارة ١٠١

كم كان جميلاً أن نقابل أبناء الحي و الجيران يومياً،أو بين الفينة و الأخرى في مكان محدد، بأوقات محددة حتى أمسينا أسرة واحدة كبيرة.
كم كان جميلاً عندما نتشاور عما يجب فعله أن تتم معاينة مشكلة ،أوتشخيص أزمة،أو السعي للمطالبة بجلب خدمة ،أو مقارعة سلوك ناشز داخل المجتمع أو الحي الواحد.
. كم كان جميلاً ان يجمعنا مكان واحد دون أي بهرجة ،أوتكاليف مالية ،أو مقاصد دنيوية، أوشغف وجاهة ،أو تملق، أو صفاقة، أو تسلق . كم كان جميلاً أن نجتمع بعد أن نتطهر بالماء، وبعد أن يسبغ كل منا الوضوء بالماء على وجهه و يديه حتى المرفق وينظف مخارجه، ويتطيب بأزكى عطوره . كان المسجد كان ولا يزال هو ذلك المكان الذي شُيد للسمو بالنفس ،والتعلق بالله ،وتربية الذات،وصقل إنسانية الإنسان ،وبناء الاجتماع على أسس الطهارة، والإنسانية،والاحترام .

تهفو القلوب لبيوت الله كل يوم ،وفي أوقات مختلفة لأداء واجب الإقرار لله بالعبودية بمسمى الصلاة،أو بمسمى العبادة و المواظبة عليها،إلا أن فيروس كارونا الجديد (covid 19) فتك بأرجاء المعمورة ،وخرّب كل اجتماع، وبعثر الصفوف ،وحجب البهجة، وسرق الابتسامة من وجوه الكثير من الناس حول العالم ،وزرع القلق .
ولم يكن يدور في خلد أياً منا في يوم من الأيام أن يتفق معظم الناس بضرورة إغلاق المساجد ودور العبادة درءاً لضرر انتشار ذلك الفيروس المفترس ،وجلباً لمصلحة التعافي في جسد المجتمعات ،وحجراً للأمراض في مواطنها ،ومنعا لها من الانتشار .

حزنت حزناً شديداً ،وتألمت كما تألم الجميع ممن أعرفهم لبيانات تعليق الصلاة في المساجد والجوامع تعليقاً احترازياً ضد تفشي فيروس (covid 19) . وأبكاني كما أبكى الملايين مشهد الحرم المكي فارغاً من الطائفين و المعتمرين في مشهد نادر ومؤثر و مهيب . إلا أنني وبعد مدارسة عقلائية، وعلى ضوء الظروف المستجدة ،ومراجعة أولويات الإنسان ، وجدت أن الصحة في قمة القائمة من الأولويات الوجودية للإنسان . بحمد الله، الطهارة تشغل حيزاً عبادياً كبيراً في ممارسة الإنسان الملتصق بالصلاة .
فالمصلي يعقد صلواته الخمس الواجبة بعد الوضوء بالماء. والحمد لله أن وجوب الوضوء يطول كل من يصلي و يذهب لدور العبادة .
والطهارة هي المدخل الأساس للصحة ،و لذا كانت و ماتزال دور العبادة رمزاً للطهارة ،ولزاماً على روادها العناية بالباطن والظاهر من أنفسهم . ولذا من غير الموضوعية بمكان الإشارة إلى مناطق أو مدن تتميز بدور العبادة ،وكثرة إقامة الصلاة حيث وجوب الطهارة على أنها السبب في انتشار وباء ما .

في واقع الحال -مع كامل الأسف- يلج دور العبادة الفاسق، والبر، والفاجر ،والمؤمن،والطاهر، والمتسخ ،والسليم، والسقيم ؛ لعدم وجود رقابة على بواطن نفوس الداخلين إلى دور العبادة ،ولا على صحة أبدانهم، وإنما حسن الظن في روادها هو النمط العام ،والمتعارف عليه . بعض من رواد دور العبادة جهلاً، أو غفلة ،أو سذاجة، أو اعتقاد منه بأن مفهوم آية كتاب الله ( فإذا مرضت فهو يشفين ) هي الإعراض عن الذهاب للمستشفيات، والاكتفاء بالذهاب لدور العبادة، والطلب من الله العلي القدير الشفاء من خلال الدعاء فقط !
و قد يكون للبعض تجارب ناجحة لتلك الطريقة حتى بلوغ ذاك الإنسان درجة الركون لهذا الفعل، وإهمال الأسباب المادية في طلب التداوي والعلاج ، فيطلق عليها بينه و بين نفسه أنها مجربات ذاتية ! ويمعن في التوقف عندها ،ويروج لها و يكتفي بها دون الذهاب للمراكز الصحية !
وقد يكون مكان العبادة الذي يزوره في حالة مرضه يحتضن ضريح ورفات نبي من الأنبياء، أو ولي من أولياء الله . وعادة ما تكتظ دور العبادة التي تضم أضرحة الأنبياء و الأولياء، تكتظ بالمصلين من مختلف أرجاء العالم موسمياً،أو على مدار السنة كما يحدث بالمسجد النبوي الشريف، وقد يصادف وجود أحد المصلين من أصحاب المجربات الشخصية، أو اليقين بأن الاكتفاء بولوج مكان العبادة هذا أو ذلك كاف لذهاب السقم ،والتماثل للشفاء ،وانخفاض حرارة جسده. وقد يصادف أنه عند ولوجه في هذه الأماكن و الدور العبادية أن يحمل فيروس الكورونا الجديد، وقدم بقصد التضرع لله ،والدعاء للاستشفاء ،فإذا ذلك الإنسان المقصر في الالتزام بمبادئ النظافة أو الطهارة أو السلامة -و إن كان يمارس جزءاً منها -هو من جلب التشنيع على أماكن العبادة.
فإذا كان الحال كذلك ، فمن الشهامة الوقوف لتوجيهه ،ومدارسة ذلك الإنسان و ليس التحريض على سلخه . ومن الأدب رفع الحرج عنه في طلب العلاج من خلال المستشفيات ،وحثه على طلب الأسباب في التداوي، وليس كيل الشتائم له، والتهديد بسلبه حقوقه . فالتعامل بالأخلاق من صلب الدين القويم، ومظهر من مظاهر العدل .
والجهل بالشيء عند نقل الوباء لا يسقط نتائجه، وما يترتب عليه من جزاء ، إلا أن هذا الظرف ليس هو التوقيت المناسب له، فالجميع يئن من هجوم الوباء الذي يستشري نهشاً في المجتمعات والدول .

والشيء ذاته يقال في حق من سافر إلى دول متعددة ،مثل الصين أو ايطاليا أو اسبانيا أو أمريكا بقصد السياحة ،أو التجارة أو العلاج أو التعليم . وقد يفترض بعضهم بأن ما قد يطرأ على جسمه من تغيرات هي jet-lag . فنرجوا منهم عدم إهمال مراجعة الوحدات الصحية لتشخيص الحالة ،ولتلقي العلاج المناسب . وأرجو من الإخوة الكتاب الإعراض عن التحريض والتسقيط .

أنا شخصياً متفائل جدا بأن وباء الكورونا سينقشع إذا التزم الجميع بممارسة الطهارة، وطلب التداوي ،والابتعاد عن التجمعات، ومراقبة النظافة الشخصية، و استحضار خشية الله في القلب بعدم اخفاء حقائق تهدد حياة الآخرين، والتزام المكوث بالمنازل. وكما قال أحد الأصدقاء ” بعض منا لا يزال يخالط وبمثابرة كل أطياف المجتمع، فتراه يذهب للأسواق وأنت تذهب للعمل ،وهذا يخالط أعضاء الديوانية ، وذاك لتو مصافح الممرض . وقد يكون التقاط الفيروس ممكناً في أي لحظة ، وقد لا تبدوالأعراض واضحة على من نخالط ، ولكن انتشار هذا المرض قد يصل إلى من نحبه فنفقده” .
و قال آخر : ” أنا أعرفك و أنتم تعرفونني، ولكن الفيروس لايعرفني ولا يعرفكم وهو قد يحط على جسدك، أو ملابسك، أو أي شئ آخر في جسدك ،أو مقتنياتك الشخصية من نقود، أو جوال، أو مفاتيح وغيرها وهو سريع الانتشار كما ذكر الإختصاصيون. فمن الأفضل لك، ولأبناء مجتمعك أن تلزم البيت، و عليك أن تغسل يديك بين الحين و الآخر بطريقة سليمة، فهذه الممارسة هي من مقدمات و أساسيات الطهارة ، و مدخل الوضوء اي مستوى ١٠١” .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى