أقلام

ها قد وجدت نفسي !!

عندما تتشكل للإنسان أكثر من شخصية في هذه الحياة فلا يكاد يعرف نفسه معرفة حقيقية فتارة ينظر اليها من خلال النظرة التي شكلها له الناس وهم كما نعلم ما بين راض وساخط ( ورضا الناس غاية لا تدرك )
وأخرى ينظر إليها من خلال نظرة المقربين إليه من أسرته وعائلته وأرحامه وقد تكشفت لهم جملة من الحقائق والأسرار التي يجهلها عموم الناس
وثالثة ينظر إليها من خلال نظرته الى نفسه فهو أبصر بها من غيره (بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ )وقد تخونه النظرة إليها فيراها على غير حقيقتها أصلا متعمدا كان أم غافلا (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ)
فمن خلال هذه النظرات المختلفة والمتفاوتة يعيش المرء حالة من الغموض والضبابية فلا يكاد يعرف نفسه حق المعرفة ( من أنا ومن أكون ) فعندما تمر على الإنسان فرصا وهي بطبيعتها سريعة الفوت وبطيئة العود ، فاغتنموها فإنها تمر مر السحاب كما يقول سيد البلغاء الإمام علي بن أبي طالب عليه لسلام وبظني القاصر أن العزل المنزلي في ظل تفشي هذه الجائحة المسماة (بكورونا) هو فرصة سانحة لكي يجد الإنسان نفسه ويتعرف عليها أكثر !!
والناس في ظل هذا الحضر المنزلي تتصارع في أذهانها العديد من الأفكار فيتساءلون ما نفعل  وكيف نقضي هذه الساعات الطوال بين أربعة حيطان و و ؟ وهنا تتأتي المبادرات المختلفة للعقلاء دون غيرهم ( ممن يقضي وقته بين قناة فضائية وبين محادثات هاتفية أو واتسابية أو غيرذلك ) فيضعون لهم برامج عمل مفيدة ونافعة ، بحكم أن هذه الساعات والأيام هي من رصيد من عمر الإنسان الذي هو أغلى ما وهبه الله إليه !
دقات قلب المرء قائلةً له…إن الحياةَ دقائقٌ وثواني
وكما يقول الامام الحسين (عليه السلام): يا ابن آدم! إنما أنت أيام كلما مضى يوم ذهب بعضك. ونسب هذا القول أيضا للحسن البصري ولا ضير في ذلك
لهذا تجد بعض العقلاء يراها فرصة سانحة لترتيب أمور المنزل وإصلاح ما يمكن اصلاحه
وآخر يقضيه في اكتشاف مهارة في فن الطبخ أو غير ذلك وآخر فرصة للعبادة والتضرع الى الله تعالى فهذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد خوطب بقوله ( فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب ) وذاك امامنا الكاظم عليه السلام الذي يقول في سجنه ( الحمد لله الذي فرغني لعبادته ) وآخر كذا وآخر كذا مما فيه رضا لله تعالى ، ولكن حسب فهمي القاصر أجد أن من أهم الأعمال التي ينبغي الاهتمام بها في هذه الفترة أن يخلوا الإنسان بنفسه ليتأمل ويتدبر ويتفكر في ذاته يقول (صلى الله عليه وآله وسلم): حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتجهزوا للعرض الأكبر
وفال الكاظم (عليه السلام): ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فإن عمل خيرا استزاد الله منه وحمد الله عليه، وإن عمل شيئا شرا استغفر الله وتاب إليه
وهذا من أهم العبادات وأفضلها عند الله تعالى يقول  الصادق (عليه السلام): تفكر ساعة خير من عبادة سنة (إنما يتذكر أولوا الألباب) وفي رواية (أفضل من عبادة سبعين سنة) وعندما سألوا أحد العلماء : کيف يكون ذلك ؟ قال : کتفکر الحُرّ بن يزيد الرياحي في ليلة عاشوراء وكتفكر الفضيل بن عياض عندما سمع الآية المباركة  {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} فقال بلى والله لقد آن لها أَن تَخْشَعَ لِذِكْرِ اللَّهِ وكتفكر بشر الحافي وغيرهم  فالتفكر والتأمل والتدبر هي أفضل العبادات وأجلها وقيل لأم الدرداء: ما كان أكثر شأن أبي الدرداء؟ قالت: كان أكثر شأنه التفكر، قيل له: أفترى التفكر عملاً من الأعمال؟ قال: نعم، هو اليقين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى