أقلام

حواريّة الإيمان والإلحاد في تفسير ظاهر البذل والعطاء «الحلقة الثّانيّة»

في الحلقة الأولى: بعد أن حلّل الإيمان دور العقل في توجيه نزاع الغرائز الإنسانيّة بطريقة منطقيّة، مُستعيناً بمفهوم عالَم الآخرة، اعتبر الإلحاد أن ذلك اعتراف على أنّ العقل يخترع مفاهيم خارجيّة يُسكّن بها نفسه.. فماذا عساه أن يقول؟!

•الإيمان: ليس كما ذهبت، هذه العقيدة لم يفترضها العقل في بادئ الأمر من أجل فكّ هذا النّزاع، وإلا أصبحت مجرّد افتراض وهمي لغرض علاج الأزمات النّفسيّة لدى الإنسان، بل هي عقيدة قد ثبتت في مرحلة متقدّمة عندما كان العقل يبحث في نظام العلل الطبيعيّة للكون، وكان محصّلة ذلك الإيمان بوجود نشأة أُخرى خلف هذه النّشأة وذات علاقة وثيقة بها، وكانت هذه الرّؤية الكونيّة هي نفسها العامل الخارجي الذي احتاج إليه العقل لفكّ النّزاع بين الغرائز.

•الإلحاد: هذا تفسير مؤدلج وفق رؤية خاصّة، ولا يمكن أن يقدّم تفسيراً منطقيّاً لفعل الخير من غير المُتديّنين، إلا إذا كنتَ تُنكر الخير في أفعال المُلحدين؟!

•الإيمان: نحن لا ننكر صدور الأفعال الحَسنة من غير المُتديّنين، ولكن منهجيّاً لستُ أنا المعني بسؤالك، فكلّ صاحب رؤية ينبغي أن يقدّم تفسيراً منطقيّاً لأفعاله، وأنا قد فعلتُ ذلك، والسّؤال موجّه لك، هل فعلك منطقيّ على وفق رؤيتك الكونيّة الماديّة؟

•الإلحاد: ماذا تعني بذلك؟!

•الإيمان: أعني أنّ العقل يصف فعل الخير من المُلحد بالتصرّف اللامنطقي.

•الإلحاد -وهو شاخص بصره-: بيّن ذلك، وإلا اعتبرتُه اتهاماً منك!

•الإيمان: الأمر يكمن في “إنعدام القيمة”، فالعقل لا يُعطي قيمة لأيّ فعل يؤول إلى العدم، فإذا فرضنا أنّ الإنسان ما هو إلا ذرة غبار كونيّة ينعدم بموته، فهذا لا يجعل له ولا لأفعاله أيّ مقدار من القيمة، فالقيمة ملازمة للديّمومة، حتى تلك الغريزة الرّحيمة التي تختلج صدره، وصرخة الضّمير، وكلّ نداءات الفطرة، ليس لها أيّ قيمة، فهي ليست إلا نتيجة لهرمونات البدن التي تولِّد هذا الشّعور، وإذا أمكن الاستعانة بأقراص دوائيّة تعالج هذه المشكلة، وتُزيل أيّ مشاعر نحو الآخرين، ممّا قد يضرّ بالمصلحة الشّخصيّة، فالعقل يقول بأنّ ذلك قرار حكيم، بل السّرقة والكذب والقتل والاغتصاب، كل تلك الأفعال حَسنة طالما لا يترتب عليها ضرر شخصيّ، فهي تدخل ضمن المصلحة الشّخصيّة، ويبرّر العقل ارتكاب القبائح، فتكون تلك الأفعال منطقيّة جداً على وفق هذه الرّؤية.

فالعقل بطبعه يلحّ بالسّؤال عند كلّ فعل: ماذا بعد أن تتصدّق على الفقراء؟ وماذا بعد أن تكون صادقاً؟ وماذا بعد أن تكون أميناً؟.. على وفق الرّؤية الماديّة، يكون الجواب: لا شيء؛ لأنّ كلّنا نسير نحو العدم. حينها سيقول العقل: يا هذا، إذاً عليك التلذّذ بكلّ لحظة يُمكنك استغلالها.

فدائماً العقل ينظر إلى عواقب الأفعال حتى يُقيّمها، وتنعدم القيمة بانعدام الفعل، فلابد من فرض الديّمومة حتى توجد القيمة، ولهذا قلتُ أنّ فعل الخير من المُلحد تصرّف غير منطقيّ.

•الإلحاد: جعلتنا وحوشاً!

•الإيمان: نعم.. ولهذا يصف القرآن ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾، فهو بصدد توصيف حكم العقل، الذي يحكمني وإيّاك، ولا نستطيع الخروج من سلطته، فحتى إذا أردنا ذلك نجد أنّنا بحاجة إليه، فالعقل يصل إلى نتيجة واحدة على وفق الرّؤية الإلحاديّة: نفسي نفسي.

•الإلحاد: هذا التحليل غير واقعيّ.

•الإيمان: ما هو وجه عدم الواقعيّة؟

•الإلحاد: الوجدان، نحن نجد في حياتنا أنّنا نتعلّق بالأشياء، وهو ما يعني أنّ لها قيمة، مع علمنا بأنّها فانية، وبنظرة بسيطة من حولك تجد كيف يتعامل النّاس مع ممتلكاتهم الفانية.

– وهل سينكر الإيمان الوجدان؟!.. هذا ما سنعرفه في الحلقة الأُخرى.

يتّبع..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى