أقلام

التقدير ( Appreciation / Estimation) في أوقات الأزمات

معظم وكالات الأنباء أوردت أخبار مفادها بأن تعداد الوفيات من جراء التعرض لجائحة فيروس كورونا قد تلامس المليونين من البشر.وهذا الخبر آثار الذعر والرعب، فأضحى كل الواعيين من الناس يبذلون قصارى جهودهم لئلا يكونوا ضمن قائمة المصابين بالداء، فضلا عن أن يكونوا ضمن قائمة المغادرين لدار الدنيا بسبب هذا الوباء.

في حياتنا اليومية نقوم بعقد عدة تقديرات. أنت تقدر كم من الوقت تستغرق للوصول لمقر عملك. وأيضا تقدر كمية الاستهلاك عند الشراء من كل مادة غذائية عند التسوق لمنزلك، وتقدر المبلغ الذي يتوجب عليك حمله لجلب ما تود أن تجلبه لبيتك.
وهكذا ربة المنزل تقدر كمية الأرز التي يجب طبخه لأفراد الاسرة عند إعداد وجبة الغذاء.
في حياتنا اليومية، نسمع توقعات الأرصاد الجوية لحالات الطقس خلال الأيام المقبلة، ونسمع توقعات النمو الاقتصادي للدول خلال الفترات
والأعوام القادمة، ونراقب بشكل شبه يومي توقعات واتجاهات أسعار النفط، ونتوقع ارتداد ذلك انتعاشا أو انكماشا على حياتنا الاقتصادية، ونقرأ توقعات محللي الأخبار عن مجريات الأحداث في دول معينة إثر أحداث معينة.
كل تلك التوقعات هي لون من ألوان التقديرات، إلا أن بعضها حدسي، وبعضها استقراء لأنماط رقمية تاريخية. ولعل جائحة كورونا الحالية هي أكبر تحد لأهل الحسابات التقديرية وكل سكان الأرض، يتابعون تصاريحهم وتقديراتهم بكل سيناريوهاتها المتفائلة والمتشائمة.

مفردات: يتوقع expect ، يتنبأ predict ، و يُقدر estimate ، أضحت مفردات لغوية حاضرة بقوة وطاغية على حياة الإنسان المعاصر. ولعل الحياة الاقتصادية هي أكبر حقل لمفردات
وتطبيقات التقديرات الرياضية المستندة على ما يسمى بالنمط trend التاريخي للاستهلاك أو التكلفة أو الطلب أو العرض. إلا أن ما قبل جائحة كورونا ليس كما بعدها في معظم مجالات الحياة. فعلى سبيل المثال، كل دراسات الجدوى الاقتصادية Feasibility Study و خطط العمل Business Plan كنت وزملائي من الاستشاريين نقوم بعملها على أساس الإحصائيات والبيانات المعلنة من الجهات الرسمية. ونفترض إلى جانب تلك البيانات عدة افتراضات رياضية ومحاسبية منطقية، تحسب النمو في عدد السكان وقوة الطلب والقوة المالية للمستهلك والتدفقات المالية cash flow في مكان استهداف تسويق المنتج. إلا أن التقديرات أصبحت أكثر تعقيدا لعدم وجود دراسات معمقة في اتجاهات سلوك الفيروس، وبالتالي الوباء من جهة
وأنماط سلوكيات المستهلكين، وسرعة استرداد عافية الاقتصاديات المحلية
والعالمية إلى ما قبل الجائحة.

البعض من عامة الناس يلجأ للتخرص والإنشاء التعبيري عند المداخلات أو التعليق على شؤون اقتصادية كبرى دون دعم ادعاءه بأي نموذج رياضي أو فنيات علمية في التحليل للأنماط الاقتصادية المتعددة.
وحينها يكون الكلام الصادر عنهم فيه نوع من التلفيق والاجتزاء أو المغالطات أو العبث أو حشو الكلام، وآخرون من الناس يبنون تقديراتهم على نوع من التجديف
والهرطقة، وهذا أيضا ينم على عدم بذل الجهد في البحث والتمحيص.
وهذا الأمر قد يوقع المجدف الباحث عن الشهرة الإعلامية في وحول ومستنقعات العنجهية وعدم الاحترام للذات، وامتهان مسامع المتلقين لكلامه.

على مستوى الأفراد، في الوقت الراهن لتبعات جائحة كورونا يمكن تفعيل ما يسمى بالتقدير التقريبي غير الدقيق
ويطلق عليه ballpark estimates عند إعداد دراسات استشارات صناعية أو جدوى اقتصادية إلى حين أن تتضح معالم الأمور بشكل أفضل. طبيعيًا إن علم الإحصاء والتحليل الفني ومعطيات السوق والقرارات الرسمية عناصر رئيسة في حساب التقديرات إلا أنني اكتفيت بهذا القدر في الإشارة للموضوع.

على مستوى أرباب الأُسر والعوائل المحدودة الدخل أو التي عصف بموارد دخلها بقوة جائحة كورونا (وكل الأسر تأثرت )، قد يكون من الواجب على رب الأسرة الوفي لاسرته من الآن
وصاعدا إعداد جدول شهري يتتبع فيه المصاريف المالية بكل التفاصيل، ومشاركة أفراد الأسرة في فرز المهم
والأهم عند إعداد قائمة المشتريات، وأن يكون الاقتراح متاخرا فإنه أفضل من أن لا يصل أو يفعل مطلقا.
إن إطلاق صندوق ادخار مالي داخل كل بيت لإدارة الأزمات احتياطا من نوائب الدهر وصروفه مطلب رئيس. كما أن على كل شاب يافع ذو صحة
وقادر على العطاء
والإنتاج أن ينفض ثوب التسكع وإهدار الوقت الطويل أمام مشاهد رسائل (لقطات الطنز)
ويعيد برمجة استثمار وقته بالمفيد من العلوم، ليتوثب لفرص العمل الحر لما بعد زمن جائحة كورونا.
ليسعى الجميع بأن يكونوا بعد الجائحة أفضل من قبلها.
ويظل الإنسان في غمرة هذه الأحداث الكبيرة كجائحة الكورونا يعمل ما بوسعه، وما التوفيق إلا من عند الله العلي القدير.

من ناحية أخرى
وكمشترك لغوي للفظ تقدير، بمعني الثناء والإطراء appreciation، من صنيع الجميل أن نثني ونطري الثناء في حق آبائنا وأمهاتنا لجميل صنيعهم لنا، وجميل فضلهم علينا. كلمات التقدير والثناء هي أدوات تخفف على الأمهات
والآباء في ظل هذه الضغوط الحياتية
وجائحة كورونا والعزل المنزلي والتصاعد لتكلفة بعض السلع الغذائية
وزيادة قيمة الفواتير.
وقد يكون من الجيد توظيف كل كلمات المدح والثناء للوالدين لعلنا بذلك نشد أزرهم ونخفف أوجاعهم، ونكون لهم نعم العون في الأزمات.

ملحوظة: كتبت المرادف اللغوي لكلمة التقدير باللاتينية Estimation للتفريق عن كلمة التقدير بمعنى الاحترام. كما إنني أتعمد إيراد المرادفات اللغوية اللاتينية لتسهيل عمل الباحث أو القارئ بالاسترسال في التشبع من فكرة معينة من خلال الإنترنت بالبحث عن تلك الكلمات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى