أقلام

رسالة من أحد الأطفال إلى الله

أمير الصالح

بعد أن استنفد وقته وجهده في اللعب بالألعاب الإلكترونية
واليدوية والأنشطة الأخرى، ومشاهدة التلفاز والأفلام الكرتونية المفضلة لأكثر من مرة، تقدم إلى والده وسأل ببراءة الأطفال: من خلق هذا الكون؟ فقال الأب : الله جل جلاله. وأردف الطفل: ومن خلق كورونا؟ فقال الأب: الله. فقال الطفل: إذا كان كل شي خلقه الله فلماذا نخاف كورونا ونحبس أنفسنا في المنزل؟ أبي لقد مللت المكوث الطويل داخل المنزل. أبي هل يمكننا أن نخرج ونمارس حياتنا الطبيعية كما كانت؟
قال الأب : لا، حتىى الآن لم يجدوا المصل لفيروس كورونا (كوفيد ١٩) والعدوى بهذا الوباء سريعة وقاتلة، والأفضل لنا أن نكون بالمنزل، وليس لنا أمل من انجلاء هذا الوضع من العالم إلا بحول وقوة الله العلي القدير. فالله بيده كل شيء. حاليا الأطباء في أنحاء العالم يحاولون إيجاد دواء. فقال الطفل: ماذا نصنع إلى حين أن يجدوا الدواء؟ رد الأب: سأدعو الله العلي القدير أن يكشف هذا البلاء عن كامل البشرية، وأن يعجل للأطباء سرعة الوصول للدواء، فقال الابن: هل لي أن أشاركك الدعاء بالاستماع لك وأنت تقرؤه؟ رحب الأب بطفله وأجلسه وبدأ قراءة الدعاء.
وأكتفي هنا بإيراد مقطعين فقط من ذلك الدعاء :

اِلهي لا تُؤَدِّبْني بِعُقُوبَتِكَ، وَلا تَمْكُرْ بي في حيلَتِكَ، مِنْ اَيْنَ لِيَ الْخَيْرُ يا رَبِّ وَلا يُوجَدُ إلاّ مِنْ عِنْدِكَ، وَمِنْ اَيْنَ لِيَ النَّجاةُ وَلا تُسْتَطاعُ إلاّ بِكَ، لاَ الَّذي اَحْسَنَ اسْتَغْنى عَنْ عَوْنِكَ وَرَحْمَتِكَ، وَلاَ الَّذي اَساءَ وَاجْتَرَأَ عَلَيْكَ وَلَمْ يُرْضِكَ خَرَجَ عَنْ قُدْرَتِكَ، يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ حتّى ينقطع النّفس. بِكَ عَرَفْتُكَ وَاَنْتَ دَلَلْتَني عَلَيْكَ وَدَعَوْتَني اِلَيْكَ، وَلَوْلا اَنْتَ لَمْ اَدْرِ ما اَنْتَ، اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي اَدْعوُهُ فَيُجيبُني وَاِنْ كُنْتَ بَطيـئاً حينَ يَدْعوُني، وَاَلْحَمْدُ للهِ الَّذي اَسْأَلُهُ فَيُعْطيني وَاِنْ كُنْتُ بَخيلاً حينَ يَسْتَقْرِضُني، وَالْحَمْدُ للهِ الَّذي اُناديهِ كُلَّما شِئْتُ لِحاجَتي، وَاَخْلُو بِهِ حَيْثُ شِئْتُ، لِسِرِّي بِغَيْرِ شَفيع فَيَقْضى لي حاجَتي، اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي لا اَدْعُو غَيْرَهُ وَلَوْ دَعَوْتُ غَيْرَهُ لَمْ يَسْتَجِبْ لي دُعائي، وَالْحَمْدُ للهِ الَّذي لا اَرْجُو غَيْرَهُ وَلَوْ رَجَوْتُ غَيْرَهُ لاََخْلَفَ رَجائي، وَالْحَمْدُ للهِ الَّذي وَكَلَني اِلَيْهِ فَاَكْرَمَني وَلَمْ يَكِلْني اِلَى النّاسِ فَيُهينُوني، وَالْحَمْدُ للهِ الَّذي تَحَبَّبَ اِلَىَّ وَهُوَ غَنِيٌّ عَنّي، وَالْحَمْدُ للهِ الَّذي يَحْلُمُ عَنّي حَتّى كَاَنّي لا ذَنْبَ لي، فَرَبّي اَحْمَدُ شَيْيء عِنْدي، وَاَحَقُّ بِحَمْدي، اَللّـهُمَّ اِنّي اَجِدُ سُبُلَ الْمَطالِبِ اِلَيْكَ مُشْرَعَةً، وَمَناهِلَ الرَّجاءِ اِلَيْكَ مُتْرَعَةً، وَالاِْسْتِعانَةَ بِفَضْلِكَ لِمَنْ اَمَّلَكَ مُباحَةً، وَاَبْوابَ الدُّعاءِ اِلَيْكَ لِلصّارِخينَ مَفْتُوحَةً، وَاَعْلَمُ اَنَّكَ لِلرّاجي بِمَوْضِعِ اِجابَة، وَلِلْمَلْهُوفينَ بِمَرْصَدِ اِغاثَة، وَاَنَّ فِي اللَّهْفِ اِلى جُودِكَ وَالرِّضا بِقَضائِكَ عِوَضاً مِنْ مَنْعِ اْلباِخلينَ، وَمَنْدُوحَةً عَمّا في اَيْدي الْمُسْتَأثِرينَ، وَاَنَّ الِراحِلَ اِلَيْكَ قَريبُ الْمَسافَةِ، وَاَنَّكَ لا تَحْتَجِبُ عَنْ خَلْقِكَ إلاّ اَنْ تَحْجُبَهُمُ الاَْعمالُ دُونَكَ، وَقَدْ قَصَدْتُ اِلَيْكَ بِطَلِبَتي،…… ، يا مَفْزَعي عِنْدَ كُرْبَتي، وَيا غَوْثي عِنْدَ شِدَّتي، اِلَيْكَ فَزِعْتُ وَبِكَ اسْتَغَثْتُ وَلُذْتُ، لا اَلُوذُ بِسِواكَ وَلا اَطْلُبُ الْفَرَجَ إلاّ مِنْكَ، فَاَغِثْني وَفَرِّجْ عَنّيك يا مَنْ يَفُكُّ الاَْسيرَ، وَيَعْفُو عَنِ الْكَثيرِ اِقْبَلْ مِنِّى الْيَسيرَ وَاعْفُ عَنِّى الْكَثيرَ اِنَّكَ اَنْتَ الرَّحيمُ الْغَفُورُ، اَللّـهُمَّ اِنّي اَسْاَلُكَ ايماناً تُباشِرُ بِهِ قَلْبي وَيَقيناً حَتّى اَعْلَمُ اَنَّهُ لَنْ يُصيبَني ما كَتَبْتَ لي وَرَضِّني مِنَ الْعَيْشِ بِما قَسَمْتَ لي يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ.”

وفور انتهاء الأب من قراءة الدعاء، سأل الطفل أباه عن اسم الدعاء. فرد الأب بالقول: هذا الدعاء مروي عن الأمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
ويسمى دعاء أبي حمزة الثمالي. طلب الابن الطفل استعارة كتاب الدعاء من أبيه، وأذن له والده. وذهب الطفل بالكتاب إلى غرفته. وكل يوم بعد قراءة الأب للدعاء من صفحات الكتاب، يستعير الابن الكتاب. بعد مضي ثلاثة أيام كاملة، وقف الابن الصغير أمام والده
وبيده عدة أوراق بحجم ورق الرسائل البريدية
ومنسوخ فيها كامل الدعاء. وقال الطفل لوالده: أبي أود منك أن ترسل هذه الرسالة إلى مكتب البريد. استغرب الأب وقال: لمن هذه الرسالة ؟ الابن: هذه رسالة إلى الله ! وعلى الفور احتضنه والده
وانهمرت عينا الأب بالدموع واستلم الرسالة من ابنه، واستأذنه في قراءتها. وكان محتواها :

السلام عليكم
إلى الله القوي العظيم أبعث هذه الرسالة
أنا اسمي محمد وأبي اسمه علي. هجم على مدن عدة في العالم
و قبل أكثر من شهر فيروس اسمه كورونا.
ومات عدد كثير من الناس حول العالم،
وتوقف أبي عن العمل في متجره، وأصبحنا جميعا في المنزل طوال اليوم. أمي وأبي يدعون
ويطلبون منك ليل نهار أن تنصر الأطباء على هذا الوباء. ويطلب أبي وأمي مني وإخوتي المشاركة معهم في الدعاء والإلحاح في الطلب منك للانتصار على الفيروس والقضاء عليه. اشتركت مع والدتي ووالدي في الدعاء وقراءة القرآن الكريم،
ومايزال الفيروس أقوى منا وأقوى من دول العالم ، وكل يوم أسمع تزايد عدد الموتى وتزايد عدد المصابين بسبب الفيروس. ومانزال ننتظر مساعدتك يا الله لنا للانتصار على هذا الفيروس.
أود أن أخبرك أني مللت من الحجر المنزلي
وأصبحت حياتنا حجر
وقطيعة وحرمان وألم وخوف من الإصابة بالفيروس.
بسبب الفيروس لا أستطيع رؤية جدي و جدتي، و لا أستطيع زيارة ابن خالي أحمد، ولا أستطيع أن أذهب مع والدي البقالة. حتى المدرسة أغلقت أبوابها قبل شهر ونصف ولم أر أصدقائي منذ ذلك الحين. بسبب هذا الفيروس اللعين أصبحت أخاف من الموت، ولا أصافح أحدا، ولا أخرج من بيتنا ولا أذهب إلى الحديقة أو الكورنيش أو البحر. نزل المطر عدة مرات ولم نذهب إلى البر بسبب الفيروس.
أرجو منك يا الله أن تساعدنا في التخلص من هذا الفيروس المدعو كورونا. فأنت الوحيد الذي أعرفه الذي يستطيع فعل ذلك كما قال لي والدي، فإني أخشى أن يتمدد الفيروس فأفقد أحد أحبائي.
إن ساعدتنا وانتصرنا على الفيروس فسيزداد حبي لك، وإن لم تساعدنا فإني سأكون محجورا عن الناس، ولن أتكلم مع الآخرين.
كتبت الدعاء الذي أشارك والدي قراءته وأرفق لك ما كنت أردده مع والدي ونحن ندعوك. ثم أورد الطفل كامل الدعاء منسوخا بخط يده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى