أقلام

كأن على رؤوسهم الطير

إبراهيم سلمان بوخمسين

ارتبط اسم الطير بثقافة الإنسان والشعوب، وعلاقته بهم وتغنوا به في أشعارهم وأمثالهم وعقدوا معه الصداقة الحميمة في المنازل والمزارع …وعلموه فأحسن الرفقة والوفاء بالرغم من الأسر. اتخذوه مرسالا لإرسال الرسائل العسكرية والسياسية، وأدخلوه في المنافسات الأولمبية للمسابقات وأداة للقنص، واتخذته بعض الدول شعاراً وعلامة في أعلامهم وبيارقهم، كناية عن القوة والمنعة. هذا فضلا عن الإتجار به وبيعه في الأسواق الشعبية. كذلك ظهرت دراسات كثيرة عن ظاهرة هجرة الطيور وما توحيه من تغيرات في الطبيعة والمناخ، ودراسة أشكال أسرابها.
أَقولُ وَقَد ناحَت بِقُربي حَمامَةٌ ** أَيا جارَتا هَل تَشعُرينَ بِحالي
أَيَضحَكُ مَأسورٌ وَتَبكي طَليقَةٌ ** وَيَسكُتُ مَحزونٌ وَيَندِبُ سالِ
وفي الموال البحريني القديم:
يا سـرب طـيـر يا طايـر ** عـسى طـيـري مـعـاكم عـاد؟
تـرى شـوقي عـليه زايـد ** ولا ادري لـيـش صرنا بـعاد؟

ولم يكن القرآن بدعا من ذلك فقد جاءت آيات تربو على خمسة عشر آية شملت عدة معانٍ كالسعادة والتشاؤم والتطير، مثل قوله تعالى ” ولحم طير مما يشتهون” وقوله تعالى ” قالوا إنا تطيرنا بكم”.
ومن عجيب أسلوب القرآن اقتران وربط الطير بالجبال في أكثر من آية، إشارة تدعو الى التأمل والتدبر، كطيور نبي الله إبراهيم وطيور نبي الله داود. وهل هذا معنىً للعلو أم للسير نحو الله أم شيء آخر؟!
غير أن معنى الطير في معاجم اللغة يعطيك ويقف بك على معاني الطير وأنواعه والمعاني التي استخدم فيه لفظة الطير بشكل مفصل:

“مفرد”: جمعه أطيَار وطَيْر وطُيُور:طائر
. اسم فاعل من طارَ/ طارَ إلى
1- كل ما يرتفع في الهواء بجناحيه “طائر جميل الألوان- طائر ناعم الريش- {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} “، الطُّيور الجارحة: الطيور التي تفترس غيرها من الطيور والحيوانات الصغيرة كالعقاب والباز، الطُّيور على أشكالها تقع: الشخص ينجذب إلى شبيهه، طار طائرُه: غضب غضبًا شديدًا، طيْر الليل: الخُفَّاش، على الطَّائر الميمون: أتمنى لك سفرًا مباركًا- كأنَّ على رءوسهم الطير “مثل”: صامتون بلا حركة سكونًا وهيبة.
•” عمل الإنسان من خير أو شرّ: “وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ
شُؤم: {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} “، طائر الفِردوس: من طيور غينيا الجديدة، عادة ما يكون ذا ريش زاهٍ، وذيل طويل الريش عند الذكور. علم الطُّيور: علم يعنى بدراسة مجموعات الطيور وأشكالها وعاداتها ونموِّها.
2- : طَيْرٌ، طُيُورٌ. [ط ي ر] طَائِرٌ عَلَى الشَّجَرَةِ: كُلُّ حَيَوَانٍ ذِي جَنَاحَيْنِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ وَأَشْكَالٌ: ” أ “- كُلُّ طائِرٍ يَطِيرُ فِي الهَواءِ. “ب”- طُيُورٌ دَاجِنَةٌ: أَلِيفَةٌ، أي دَجَاجٌ، إِوَزٌّ، حَمَامٌ… “ج”. طُيُورٌ جَارِحَةٌ: مُفْتَرِسَةٌ، أي عُقَابٌ، بَازٌ.
سِرْ عَلَى الطَّائِرِ الْمَيْمُونِ: دُعَاءٌ لِلمُسَافِرِ مِنْ أَجْلِ سَلاَمَةِ وُصُولِهِ هُوَ مَيْمُونُ الطَّائِرِ: مُبَارَكُ الطَّلْعَةِ كَأَنَّ عَلَى رُؤُوسِهِمُ الطَّيْرَ: عِبَارَةٌ تُشِيرُ إِلَى جَمَاعَةٍ سَادَ بَيْنَهُمْ صَمْتٌ مُطْبَقٌ. طَارَ طَائِرُهُ: غَضِبَ. عَرَفْتُهُ دَائِماً سَاكِنَ الطَّائِرِ: رَصِينَ العَقْلِ.
بعد هذه المقدمة صار عندنا رصيد جيد من معرفة الطير ومعانيه وأنواعه، لكن محل الشاهد هنا هو مثلنا المشهور كأن على رؤوسهم الطير فلماذا ومتى يقال هذا المثل، فلنستعرض استخدامه في ثوب أدبي جميل:
تستخدم العرب الكناية التي جاءت على صورة تشبيه – ” كـأن على رؤوسهم الطير” لوصف حالة تتسم بالسكون والترّقب والخَشية.
وردت الكناية كذلك بمعنى الحِلم، فلا طيش فيهم ولا خفّة. وقيل: “يُضرب للساكن الوادع، والطير لا تسقط إلا على ساكن.”
وقال الزمخشري: أن المثل يُضرب للحلماء وأهل الأناة، قال ذو الرُّمّة
فـظـلّت تُـصاديها وظلـت كأنها ** على رؤْسـها سربٌ من الطـير لُـوّحُ
وورد هذا التعبير في حديث نبوي: ” كأن على رؤوسهم الطير” ذلك كناية عن إطراقهم رؤوسهم وسكوتهم وعدم التفاتهم يمينًا وشمالاً- أي على رأس كل واحد الطير (وكأنه) يريد صيدها، ولا يتحرك، وهذه كانت صفة مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا تكلم أطرق جلساؤه كأن على رؤوسهم الطير.
هناك من يرى أن أصل الكناية هي – أن الغراب إذا وقع على رأس البعير فإنه يلتقط منه الحشرات كالقراد، فلا يحرك البعير رأسه لئلا ينفر عنه الغراب.
ومن معاني التعبير كذلك ما يدل على شدة الوقار والهدوء، فلو نزل على رأس الموصوف طائر لظل الطائر ساكنًا لم يطر، ومن هنا القول ” إنه يساكن الطير “، ومن أمثالهم في صفة الحليم: ” إنه لواقِع الطائر”.
ومن أحسن تشبيه جاء في قولهم – كأن على رؤوسهم الطير-، وذلك أن الهائب ” الإنسان الوقور المهيب المنظر” تسكن جوارحه، فكأن على رأسه طائر يخاف طيرانه إذا تحرك.
ومن المجاز: طائر الله لا طائرك. ” وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ” وهو ساكن الطائر، ورزق سكون الطائر وخفض الجناح، ونفّرت عنه الطير الوقع إذا أغنته. قال جرير:
ومـنا الـذي أبـلي صديّ بن مـالك … ونـفـّر طيراً عن جـعـادة وقـعاً
أما ما ورد في هذا المعنى في الشعر والأدب:
كأنـما الطـير منهـم فـوق هامِهـمِ ** لا خـوفَ ظـلمٍ ولكن خـوفَ إجلالِ
وقال صفوان الأنصاري يمدح قومًا:
تـراهمْ كأنّ الطيـر فـوق رءوسهم ** على عِـمّـةٍ معـروفة في الـمعاشـر
من أبلاه الله بلاء حسناً. وطيورهم سواكن. إذا كانوا قارّين. قال الطرماح
وإذ دهـرنا فـيه اغـتـرار وطـيـرنا ** سـواكن في أوكارهـن وقــوع

فهل لسان أهل الأرض مع هذا الوباء المستجد، والسكون العجيب يقول: ” كأن على رؤوسنا الطير”؟!

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى