أقلام

أسياد الفتنة بين الشيعة والسنة.. الحيدري نموذجاً

كمال الدوخي

في الاسبوع الماضي بالتحديد في 13 اكتوبر بث حساب رئاسة أمن الدولة على تويتر مقطع توعوي يتحدث عن تمكن القوات الأمنية السعودية من ضبط 49 طن من المواد المتفجرة، المستخدمة من فئات ضالة من كافة مناطق المملكة العربية السعودية، وطالبت رئاسة أمن الدولة المواطنين بالحذر والإبلاغ عن أي فئة ضالة تمس أمن الوطن والمواطن.

وهذه إشارة واضحة من جهاز عرف بمواجهته للإرهاب بشكل مباشر خلال عقود من الزمن، وكان له الفضل في حماية دول المنطقة ودول غربية من خلال ضرباته الاستباقية وتزويده لتلك الدول بمعلومات منعت من وقوع عمليات إرهابية.

خطر الفئات الضالة لا يزال قائم وعلى الرغم من كل الضربات التي تلقتها تلك الجماعات الإرهابية في دول عدة لكنها سرعان ما تجد لذاتها قدرة على النهوض، مستفيدة من الصراعات السياسية والعسكرية في عموم دول الشرق الأوسط. العراق ودول المنطقة أصيبت بوباء الإرهاب لسنوات، سفكت بها الدماء وانتهكت الأعراض ونهبت الأموال بشعارات دينية متطرفة يتم ترويجها عبر الإعلام ومواقع التواصل؛ لشحن شباب الأمة بها واستخدامهم كقنابل موقوتة لتأجيج الصراعات التي تتغذى عليها وتقتات هذه التنظيمات وتتمدد.

ومن أكثر هذه السلع التي تستفيد منها تلك التنظيمات في تجارتها بالدين، تأجيج الصراعات الطائفية السنية-الشيعية، والتي تجد لها زبائن في أوساط المراهقين والشباب المتحمس، من خلال إثارة مواضيع الخلاف بين طوائف المسلمين، واستخدام أداة التكفير الخطرة لتبرير قتل المخالف بحجة الكفر أو الردة.

وتصريح السيد كمال الحيدري الأخير، حول أن علماء الشيعة جميعهم يكفرون السنة هي خدمة عظيمة قدمها الحيدري للمتطرفين سنة وشيعة، فالشيعي المتطرف الذي يريد قتل السني لكن يواجه بفتوى السيستاني بأن السنة ليس إخواننا فحسب بل هم أنفسنا، سيجد ضالته في كلام الحيدري، والسني المتطرف الذي يريد أن يعزز توجهه بقتل الشيعة وجد ضالته في الحيدري.

وهذا الاحتفاء من قنوات طائفية مشبوهة بتصريح الحيدري، وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي التابعة للـ(دواعش) ولمتطرفين سنة وقيادات تنظيمية أسرفت في قتل العراقيين، يوضح خطورة ما تحدث به الحيدري، مما دعا إلى سرعة الرد من المرجعيات الشيعية لا لأجل الرد على ما قاله الحيدري بل خوفاً على الأمة من الشقاق والفتنة، فتم إعادة نشر فتاوى أو التأكيد على فتاوى سابقة أو الإجابة على مستفتين بفتاوى هي موجودة ولكن تعامى عنها من بقلبه مرض، لتأجيج الفتنة وإثبات الذات.

لذلك ردة الفعل السريعة من المرجعيات الدينية لوأد الفتنة التي أشعلها الحيدري تعبر عن حس بالمسؤولية، وأن دماء السني كدماء الشيعي وعرضه وماله، وردة الفعل الأولى من الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب آية الله الشيخ محسن الأراكي بعبارة واضحة وقاسية كذب فيها كل مزاعم الحيدري، وتلك القسوة لفداحة جرم الحيدري.

أما آية الله السيد منير الخباز الذي سارع إلى التواصل مع المرجعية العليا بالنجف لتأكيد المؤكد، فالسيستاني فتواه واضحة اتجاه السنة، والتي رشح عليها لجائزة نوبل للسلام بأن السنة ليسوا أخوة وحسب بل أنفسنا، لكن السيد منير يدرك انعكاسات تصريحات الحيدري الكاذبة على المرجعية في مجتمعات مختلطة ومتعايشة كما هو الحال في دول الخليج.

الحيدري يعرفه علماء الشيعة بأنه طالب شهرة، ولا يهمه قتل السنة أو الشيعة جراء أفعاله وأقواله، فهو يعيش في رغد بينما يتقاتل أبناء الأمة. والحيدري ذاته قبل عشر سنوات في مقطع له موجود على اليوتيوب يستشهد بفتاوى مراجع الشيعة التي تؤكد على إسلام كافة الطوائف غير الإثني عشرية، لكنه لا يستقر على رأي فإن خرج على قناة تطلب منه تأكيد قوله الأول سيؤكده وإن خرج على قناة أخرى تريد منه تغيير رأيه سيغيره بحسب ما يطلب منه.

الحيدري أراد أن يطرح ذاته كعالم وفيلسوف ومفكر ومثقف موسوعي وأن سائر علماء الشيعة ليسوا كذلك ولا يصلون لمكانته فانشغل باتهامهم بالعمالة تارة وتارة بالجهل وتارة اتهمهم بالجنس وتارة أتهمهم بتكفير المخالف، كل ذلك لأجل أن يقدم نفسه كمنقذ من الضلال والعالم الأسطورة وفقيه الزمان فارتمى في أحضان مشبوهة وسيبقى يترنح بين تلك الأحضان.

تهمة تكفير المخالف لدى الشيعة لم يتهمنا بها أشد المتطرفين من الأخوة السنة لكن الحيدري مجرد عابث، فمرض الأنا بلغ منه مبلغه، فبرنامجه الذي من خلاله سوق لنفسه كان برنامجاً طائفياً بامتياز للنيل من رموز السنة، وفي برنامجه أفرغ ما بجعبته من طائفية نتنة اتجاه السلفية، والآن يريد أن يقنعنا أنه المنصف، والمتابع للبرامج الطائفية ومن يعرف ما يحدث في كواليسها يدرك بأن لا يوجد برنامج طائفي لا تمتد له يد المخابرات لزعزعة دول ولشن حروب باردة على دول، فالحيدري وياسر الحبيب وغيرهم من أصحاب الفتن في الأمة من الشيعة لا شك بأن أيادٍ مشبوهة تقف خلفهم وثق بهم من وثق وخدع بهم من خدع.

علينا أن ندرك حساسية مثل هذا العبث لأجل الأنا التي يغرق فيها الحيدري، والتي ربما تجر علينا ويلات وتزعزع السلم الاجتماعي وأجواء التعايش التي تسود مجتمعنا، وعلينا أن نقف في وجه كل من تسول له نفسه العبث بالسلم الاجتماعي سواء كان سني أم شيعي، ودون اعتبار أكان ثوبه قصير أو عماماته منتفخة.

وأختم المقال بهمسة للأخوة السنة بأنني كشيعي لا أرى في السنة إلا أخوة لنا في الدين ونسأل الله أن يحشرنا وإياهم مع محمد وآله وصحبه الأخيار، وأني بريء من كل من يسيء لكم ولرموزكم من الشيعة إلى يوم القيامة، وأن هذه المهاترات التي تحدث هي لزعامة دينية، أقحم فيها السنة لمصالح لا ناقة لأخوتنا السنة فيها ولا جمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى