أقلام

جمهور الصوت العذب

أمير الصالح

شاشات التلفزة في كل أنحاء العالم نقلت صور عدة عن أساليب تعابير سكان المدن المتنوعة خلال ساعات الحجر المنزلي الصحي الإلزامي quarantine. ولعل من أكثر المشاهد المتناقلة عبر محطات التلفزة في مطلع شهر أبريل، هو مقاطع فيديو لموهوبين يعزفون على آلات موسيقية متنوعة
وإطلاق أصواتهم الشجية على أسطح العمارات والمنازل وبلكونات الشقق في العمائر السكنية المتجاورة. الملفت للانتباه في تلك اللقطات المتنوعة هو أن درجة الاندماج والانصهار بين المنشد أو المغني أو الصادح بصوته والمستمعون عالية جداً. وبمجرد انتهاء العازف أو المغني أو المنشد من أداءه الفني، يعبر المستمعون بالإعجاب من خلال التصفيق الحار
والتصفير والثناء بصوت عالٍ.

وفي الوقت ذاته شاهدنا لقطات فيديو في قنوات اليوتيوب عن رفع الأذان في عدة عواصم ومدن أوربية وأمريكية. وكان ملفتاً إلى أن درجة الذوبان تتناسب إلى حد بعيد بدرجة عذوبة صوت المؤذن وجهوريته، وعندما عشت شخصيا ً في بعض البلدان الأجنبية لاحظت مدى شعبية أهل الصوت الرخيم، وسعة جمهوره.
بين هذا وذلك يحسن بنا أن ننتخب صاحب الصوت الأكثر تاثيراً.

مالفت نظري في كل أنواع تلك المشاهد وأصنافها هو أن المستمعين يستهويهم سماع الأصوات الرخيمة والعذبة والشجية والجميلة عند إتاحة الفرصة لبروزها حتى دون حاجة إلى التسويق لها. وأن الكلمات
والأصوات العذبة تكسر جدار العلاقات في مواطن ذات أيديولوجيات مختلفة كما حدث في بعص مدن أوربا.

ما أحزنني أن أحد المواقف التي علقت في ذهني منذ عدة سنوات عن حادثة عاينتها بأم عيني في مقر عمل بأحد المصانع في دولة ما، فبعد توافد الموظفين داخل المكان المخصص للصلاة وقف أحد الموظفين البسطاء (م. ي) وأقام الأذان بشكل صحيح وسليم وبصوت عذب. انسدل الصمت
والتفاعل من قبل الحاضرين في المسجد لعذوبة الصوت وجميل النداء، إلا أنه بمجرد انتهاء ذلك الشخص البسيط من أداء الأذان وقف موظف آخر (ز .ر ) وهو متنفذ في المنصب
والعلاقات ويعتقد بنفسه أنه هو القيّم على المسجد فأقام الأذان مرة أخرى دون اعتبار لأذان الذي أقامه الموظف البسيط للتو. أحس الموظف البسيط بنوع من الغبن والعنصرية والنظرة الدونية، وأخذ يستفسر وهو موجهاً كلامه نحو من أعاد الأذان بشكل علني عن سبب إعادة الأذان. فما كان من ذلك المتغطرس إلا أن نظر إلى الموظف البسيط نظرة ازدراء
وتقدّم لإمامة المصلين. فكانت نتيجة هذا السلوك الذي شاهده البعض بكامله أن ترك مجموعة غير قليلة من الموظفين الالتحاق بالجماعة التي يؤم فيها شخص شللي
وعنصري ومتعجرف، وصلوا منفردين.

الأمر غير المتوقع هو أن تصبح الشللية ليست في حدود المال والنفوذ والتوظيف فقط، وإنما امتدت حتى وصلت إلى مضمار عقد ختمات قراءة القرآن والأذان و … و … . المشكل هو أن ذات الأشخاص المنتحلين للتدين ينتقدون الآخرين لشلليتهم، ولا يرون ما يفعلون هم بأنفسهم من مظاهر الشللية وخنق من يبادر في طرح أعمال البر أو الصلاح أو الدعوة للفلاح.
مثل هذا الاستحواذ
والاحتكار قتل وسيقتل كل بوادر النمو في أعمال البر، حتى في الأعمال العبادية الجماعية.
قد يتغافل ويترفع ويتجاوز البعض من الناس عن مكاشفة المستحوذين بعناوين متنوعة كالغفران
والمسامحة وتكبير الدماغ والابتعاد عن التصادم، إلا أن هذا التسامح والغفران يفسره أهل الغرور وحب السيطرة بأنهم فوق الانتقاد، وأكبر من أن ينبههم الآخرون للأخطاء التي يقعون فيها، أو أن يسألونهم عن تصرفاتهم غير معلومة الأسس العقلية. ومن المؤسف حقاً التردي والتناحر الشللي في العمل والشارع والمصلى ودور العلم والجامعات والمستشفيات وما قد يفضي إليه من تكريس لممارسات تفتيت المفتت. قد تكون محطة جائحة كورنا محطة مفتوحة المدة زمنياً لمراجعة كل إنسان عاقل لنفسه،
فيحاسبها قبل أن يخسر نفسه ومن يحرص على تنبيهه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى