أقلام

كسر عادة سيئة وتكوين أخرى حسنة بحسب علم الأعصاب

المترجم : عدنان أحمد الحاجي

حياتك تؤثر في دماغك بما للكلمة من معنى

كلما عملت شيئًا أو تصرفت بطريقة ما، كلما أصبح هذا العمل أو ذلك السلوك جزءً لا يتجزأ من الدماغ (ثبت وترسخ في الدماغ فعليًا). وهذه تعتبر خاصية تكيفية مذهلة للدماغ. هذه الخاصية تُعرف باللدونة العصبية(1). اللدونة العصبية قد تعمل في صالح الشخص أو ضده.

اللدونة العصبية

اللدونة العصبية هي قدرة الدماغ على تغيير بنيته الطبيعية ووظيفته بناءً على المدخلات من تجارب الشخص وسلوكياته، ومشاعره، وحتى أفكاره. باستثناء فترات النمو المحددة في مرحلة الطفولة، كان يعتقد أن الدماغ ثابت [لا يتغير بنيويًا ولا وظيفيًا] إلى حد كبير. إلَّا أننا في الوقت الراهن نعلم أن هذا ليس صحيحا. فالدماغ قادر على التغير طالما بقينا أحياءً.

ثبتت صحة اللدونة العصبية من الناحية العلمية في النصف الأخير من القرن العشرين ولها مقتضيات بعيدة الأمد على كل جانب تقريبًا من جوانب الحياة البشرية والثقافة ابتداءً من التعليم والطب وانتهاءً بالعلاقات والسعادة. قدرة الدماغ على تغيير شكله [بنيويًا ووظيفيًا] يجعله مرناً جدًا، ولكن أيضا يجعله عرضة للتأثيرات الخارجية والداخلية، والتي تصبح عادةً لاإراديًا(2).

العادات تترسخ في الدماغ

الدماغ يقوم بتكوين وصلات عصبية [مشبكية] بناءً على ما نكرره من أفعال / تصرفات في حياتنا – سواء أكان هذا الفعل جيداً أم سيئاً. الشعور بالقلق(3) من كل شيء بسيط. تصفح المواقع الإباحية على الانترنت. قضم أظافر الأصابع. الذهاب الى الصالة الرياضية. ممارسة رياضة التأمل. الحالات الذهنية المتكررة والسلوكيات كلها تصبح سمات عصبية(4).

تكوين عادة أو كسرها ينطوي على تغيير في اللدونة العصبية في الدماغ. شخص يرغب في مادة مخدرة لأن دماغه اللدن أصبح متحسسًا للمادة المخدرة(5) أو يتوق اليها. بعد أن تُشبع الرغبة الملحة يُفرز الدوبامين، وهو ناقل عصبي نافع. نفس الكمية المفرزة من الدوبامين التي تؤدي الى الاحساس بالمتعة تُعتبر أيضا عنصرًا ضروريًا لـ اللدونة العصبية. الدوبامين يساعد في تشكيل الوصلات العصبية التي تعزز / ترسخ العادة (6).

أول مرة تقوم بفعل شيئ، تأتي مكافأة الدوبامين بعد الحدث. في كل مرة بعد ذلك، يُفرز الدوبامين [ويحصل الاحساس بالمتعة] في وقت أبكر وأبكر زمنيًا حتى يصل الأمر الى ان مجرد التفكير في هذا الشيء يسبب زيادة مرتقبة في إفراز الدوبامين. افراز الدوبامين السابق على الفعل يحفز على ممارسة هذا السلوك مستقبلًا(7).

في كل مرة تتصرف بنفس الطريقة، يُحفز نسق نشاط عصبي معين ويصبح مُعززًا في الدماغ. نحن نعلم أن الخلايا العصبية التي تصدر جهد فعل fire معًا ترتبط معًا. الدماغ، كونه كياناً كفوءًا، يأخذ مساراً أقل مقاومة في كل مرة، وبذلك تتكون العادة.

تغيير السلوك (العادة) يعني تغيير في الدماغ

كسر العادات السيئة، يحتاج تغيرًا [بنيويًا ووظيفيًا] في الدماغ (8) . عندما يتعلق الأمر بتغيير السلوك (العادة) – وفي الحياة، بشكل عام، سيكون هناك المزيد من النجاحات (الانجازات) لو عمل المرء على تكوين صداقات مع عقله(9) ودماغه ويجعلهما يعملان لصالحه. فبإمكانه تغيير سلوكه (عادته)(10) – حتى تلك العادات التي يصعب كسرها – وذلك بتشكيل مسارات بديلة في الدماغ.

عندما تحاول أولًا ان تتبنى سلوكاً جديداً (عادة جديدة)، عليك أن تجند القشرة ما قبل الجبهية (الفص الجبهي) والدماغ المفكر، وتضيف جهداً مقصودًا وعزماً وفكراً في هذه العملية. عندما تقوم بممارسة روتينية جديدة مرات كافية حتى تتكون توصيلات عصبية قوية في الدماغ، فإن السلوك اللاخق يتطلب جهداً أقل لأنه اصبح عادةً.

ربما سمعت أنه حتى تكوِّن عادة جديدة تحتاج إلى 21 يومًا. للأسف، هذا الاعتقاد خاطيء. ولكن المدة الزمنية التي تحتاجها لتعديل سلوك معين (عادة معينة) يعتمد على ما تحاول فعله ويمكن أن تتراوح المدة ما بين 3 أسابيع إلى عدة شهور أو حتى لفترة أطول من ذلك. العلاقة بين تبني سلوك جديد (عادة جديدة) وحتي يصبح تلقائيًا (تنفيذ العنل دون الحاجة إلى التفكير فيه) يشبه إلى حد كبير تسلق تل ببدأ من مستويات منحدرة وتدريجياً يستوي، في البداية يمكنك احراز بعض التقدم المثير للإعجاب فعلاً، ولكن المكاسب تتضاءل تدريجيًا بمرور الزمن.

كيف ترسخ أنماط سلوك (عادة) جديدة

تغيير سلوكك (عاداتك) ليس أمرًا سهلاً، ولكن يمكنك تغييره، ودماغك يمكن أن يساعدك في ذلك. إليك الطرق التالية:

تعرف على العوامل المثيرة – حدد مسببات إفراز الدوبامين المرتقب الذي يدفعك نحو ارتكاب سلوك أو عادة معينة وتجنبها. إذا كان ذلك ممكنا، ابعد هذه المثيرات من حياتك. وهذا قد يعني تغيير بيئتك (ما حولك) تمامًا (من الأول وبشكل نهائي لا رجعة فيه) أو باتخاذ خطوات صغيرة واحدة بعد أخرى. لو رغبت في عمل تغيير، سواء أكان ذلك كسر عادة سيئة أم تكوين أخرى حسنة، تحتاج إلى ان تتأكد من أن ما حولك داعمًا لك في سعيك هذا.

ابحث عن طرق تحد من توترك (النفسي) – العادات السيئة أو السلوكيات غير المرغوب فيها تُعتبر آليات للتأقلم / التكيف. إذا لم تتورط فيها، ستبقى متوتراً وسوف تكون أكثر توتراً لأنه لا يمكنك تنفيس التوتر بطريقتك المعتادة . سوف تستفيد وذلك بالبحث عن طرق بديلة للتنفيس عن غضبك، كممارسة الرياضة(11) والاقرار بالفضل والاعتراف بالجميل والنوم (12) والتفاعل الاجتماعي (العلاقات الاحتماعية(13)).

انتبه – ستغير سلوكك بسهولة أكثر لو استخدمت القشرة ما قبل الجبهية (الفص الجبهي(14)) لو ركزت انتباهك بشكل فعال(15)، لدىدماغك موارد محدودة. لو أوقفت انتباهك وتركيزك على شيء ما وذلك لأن ذهنك كان مشتتاً أو كنت أنت متوتراً حينئذ ، فإن دماغك يعود مرة أخرى إلى أنماطه القديمة [أي ترجع إلى عادتك القديمة]، وفي نهاية المطاف تنسى نفسك وستتناول نصف كغم من الآيس كريم. في كل مرة تؤدي سلوكاً جديداً أو تتجاوز رغبة ملحة [عادة قديمة]، فإنك حكمًا تضعف من غلواء عادة قديمة مترسخة في دماغك.

ابدأ بأشياء بسيطة – تغيير سلوكك يتطلب قوة إرادة، والتي تحتاج الى توظيف هرمون السيروتونين(16). قوة الإرادة هي شبيهة جداً بالعضلات. ولذا هذه الارادة تتعب وتنضب. ابدأ بعمل تغييرات بسيطة وذلك بعمل تغيير بسيط بعد آخر بحيث لا يحتاج هذا التغيير الى قوة إرادة كبيرة. بدلاً من القيام بإصلاح جذري لنظامك الغذائي في مرة واحدة وبشكل نهائي، تدريجيًا الغِ شيئًا واحدًا في المرة الواحدة. وبعد بضعة أسابيع عندما يكون التغيير الأول قد ثبت ورسخ، اعمل على التعديل الآخر للأفضل.

ارفع من مستوى السيروتونين لديك – زيادة هرمون السيروتونين يساعد فصك الجبهي على القيام بوظيفته بشكل صحيح ويزيد من قوة إرادتك. هناك العديد من الوسائل لرفع مستويات السيروتونين طبيعيًا(16)، بما في ذلك التعرض إلى أشعة الشمس والمساج، والتمرينات الرياضية واسترجاع الذكريات السعيدة.

جند دماغك المفكر – الاستفادة من التعريف الوجداني (صياغة المشاعر في كلما)(17) affect labeling يساعد فصك الجبهي لتتجاوز عاداتك. فكر بوعي كيف ستتحسن حياتُك من خلال تغيير سلوكك. ذكِّر نفسك وحفزها بالتأكيد الذاتي [التفكير الايجابي وتمكين الذات(18) وبالتصورات [استخدام فوة الخيال لتتصور ما تريده في حياتك(19)] وحديث النفس الإيجابي (1). تبين الدراسات العلمية أن استخدام التفكير الذاتي الإيجابي يساعد بشكل كبير على إنشاء عادات جديدة.

احتفل بالانجازات البسيطة – التركيز على الإنجازات البسيطة طوال الحياة تبُقي على استمرار افراز هرمون الدوبامين وتساعدك على البقاء محفزاً. في الواقع، تثبت الدراسات العلمية أن تحويل انتباهك بعيدًا عن هدف بعيد الأمد والتركيز فقط على الاستمرار والعمل على ترسيخ عادة حسنة جديدة يوميًا يعد أكثر نجاحاً من التركيز على تلك العادات بعيدة الأمد.

أحط نفسك بالاشخاص المناسبين – تثبت الدراسات(21) أن السلوك والمشاعر معدية ]تنتقل من شخص الى آخر] في علاقاتنا وتصل إلى ثلاث درجات [من شخص الى شخص آخر ومنه الى ثالث] . وقد وُجد أن هذا كان صحيحًا أولا في السمنة ثم في الشعور بالوحدة والسعادة. مهما كان التغيير السلوكي (العادة) التي تريد ترسيخها أو تريد كسرها، ستكون أكثر سهولة إذا وجدت من يشجعك ويرغب في التغيير معك.

مصادر من داخل وخارج النص

1- https://ar.wikipedia.org/wiki/لدونة_عصبية

2- https://thebestbrainpossible.com/the-good-the-bad-and-the-ugly-2/

3- https://thebestbrainpossible.com/how-to-calm-your-wired-to-worry-brain/

4-https://thebestbrainpossible.com/negative-mental-states-become-negative-neural-traits/

5- https://ar.wikipedia.org/wiki/تحسس#

6- https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC4621077/

7- https://www.sciencedaily.com/releases/2013/01/130110094415.htm

8- https://thebestbrainpossible.com/breaking-bad-habits-in-your-brain/

9- https://thebestbrainpossible.com/how-to-make-friends-with-your-mind/

10- https://www.top10.com/blog/personal-growth-goals-for-next-decade

11- https://thebestbrainpossible.com/how-exercise-helps-your-brain/

12- https://thebestbrainpossible.com/skimping-on-sleep-can-make-you-sick-fat-and-stupid/

13- https://ar.wikipedia.org/wiki/علاقة_اجتماعية

14- https://ar.wikipedia.org/wiki/فص_جبهي

15- https://thebestbrainpossible.com/how-to-train-your-brain-to-pay-attention/

16- https://thebestbrainpossible.com/how-to-increase-serotonin/

17- https://ar.wikipedia.org/wiki/التعريف_الوجداني

18- https://en.wikipedia.org/wiki/Affirmations_(New_Age)

19- https://thebestbrainpossible.com/picture-this-2/

20- https://thebestbrainpossible.com/four-steps-to-take-control-of-your-mind-and-change-your-brain/

21- https://www.nejm.org/doi/full/10.1056/NEJMsa066082

المصدر الرئيس

https://thebestbrainpossible.com/the-neuroscience-of-changing-your-behavio

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى