أقلام

المعرفة بالعلم والالتزام السلوكي

صالح المرهون

هناك فارق كبير بين أن يمتلك الإنسان العلم، وأن يستفيد منه فعليًا، ويفيد غيره، فقد يحمل الإنسان العلم في بعض الأحيان، ولكنه لا يتحول إلى سلوك عملي في حياته، ولا يظهر أثره على ممارسته، لكي يستفيد منه الآخرين، وإنما يبقى مجرد نظريات يختزنها، وآراء يحملها، ومعلومات يتوافر عليها، فلا تكاد تغادر ذهنه، وذلك أشبه مايكون بامتلاك المرء مصباحًا كهربائيًا، لا قيمة له، ولكنه يُبقى عليه مطفأ، أو يغمض بصره عن رؤية ضوئه عن الناس، أو أنه ببساطة لا يجيد تشغيله، ما يعني في النهاية أن مجرد وجود المصباح لا يعني حتمية الاستفادة من ضوئه، كذلك هو العلم، فقد لا يستفيد الإنسان العالم من العلم الذي يحصل عليه، وهذا عين مايشير إليه أمير المؤمنين علي بن طالب(ع) حين قال:(رُبَّ عَالِمٍ قَدْ قَتَلَهُ جَهْلُهُ، وَعِلْمُهُ مَعَهُ لاَ يَنْفَعُهُ) وقد أشارت نصوص دينية كثيرة إلى إخفاق بعض حملة العلم الاستفادة من العلم الذي يحملونه، روي عن نبي الله عيس( ع) أنّه قال:( وماذا يغني عن الأعمى أشعة نور الشمس وهو لا يبصرها؟ كذلك لايغني عن العالم علمه إذ هو لم يعمل به)
كما قال الشاعر:
كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ
والماء فوق ظهورها محمولُ

وأبلغ من ذلك ماجاء في قوله تعالى:{ مَثَلُ الَّذينَ حُمِّلُوا التَّوراةَ ثُمَّ لَم يَحمِلوها كَمَثَلِ الحِمارِ يَحمِلُ أَسفارًا بِئسَ مَثَلُ القَومِ الَّذينَ كَذَّبوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهدِي القَومَ الظّالِمينَ }[ الجمعة: ٥ ]، شبه تعالى بعض حملة العلم بالحمار الذي يحمل على ظهره كتب العلم وأسفار المعرفة، إلا أنّ ذلك العلم لم يجد طريقه نحو التطبيق والتحول إلى سلوك عملي وفعال، بقدر ماظل يمثل مجرد حزمة من النظريات والآراء والمعلومات التي يختزنها ذهنه وحسب،
فقد ورد عن رسول الله(صلى) أنه قال( إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة عالم لم ينفعه علمه) وجاء في حديث آخر عنه(صلى) أنه قال:( إن أهل النار ليتأذون من ريح العالم التارك لعلمه)
مما يعني أن العالم غير العامل بعلمه هو أسوأ أهل النار موقعا، وأشد عذابًا، وأنتنهم ريحًا،
اللهم أجعلنا من العلماء العاملين المخلصين والمجتهدين النافعين لغيرهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى