أقلام

جريب فروت

أمير الصالح

كان جدي الحاج علي، رحمه الله، يسمي فاكهة الجريب فروت بـ(الدنيا).
وحيث أنه ليس هناك مرادف عربي للكلمة فأضحى متعارفاً بين الناس اسم الفاكهة بالاسم اللاتيني حتى اليوم هذا. سألت جدي يومذاك، وكان عمري ست سنوات، عن سبب التسمية، فقال لي: بُني إن الدنيا أول طعمها حلو وآخر طعمها مر، وإن تزينت لك بلون أصفر فاقع أو أحمر وردي. استغربت من وصفه للفاكهة بهذا الوصف، وبتوظيفه معانٍ معينه بالحياة في تسمية فاكهة. انا وإخوتي
وبعض أقاربي ما نزال نسمي فاكهة الجريب فروت بالدنيا كما كان يسميها جدي. وقد يكون البعض من أهالي من يعيشون حولنا يستخدمون الاسم ذاته.

عند صرف وقت أكبر للتأمل خلال فترة الحظر الوقائي الصحي الإلزامي لتجنب التعرض لجائحة الكورونا وجدت أن هناك أسماء أطلقناها ممتدة من التوظيف لمعاني الحياة. وأذكر هنا على سبيل المثال كلمة ” بيت
/ home” و ” منزل/ house. فالبيت نرتبط به أكثر عاطفياً لوجود وشائج وذكريات وأحداث أسرية كبرى، والغالب يكون شعور الأمان به،
والانتماء له أكبر. أما المنزل فانه أقرب الى المكوث المؤقت، والاستيطان العابر خلال مدة أداء مهمة معينة كالنزل في المناطق الصناعية، أو الشراء للاستثمار والمتاجرة. ففي البيت نلتصق بالموقع والجيران والذكريات وطيب المعشر والاستئناس بمقدمي الخدمات مثل البائع
والقصاب والمكوجي. أما المنزل فالكثير عندما يقدم على شراءه فإنه يركز على التكلفة المالية الصرفة، ويحسب تكاليف القرض والتدفقات المالية الناتجة عنه، وعائد البيع ربحاً.
و هكذا يقال في تسمية ” الوظيفة/ Job ” وتسمية ” المهنة/ career “ . فالوظيفة هي مهام يقوم بها الموظف أو العامل ويحصل على مقابل مالي لقاء أداء المهام المكلف بها. وهناك أنواع للأعمال مثل: عمل قذر bad job و عمل نظيف clean job . وفي عالم المهن، فالممتهن لإنجاز شي ما يذوب وينصهر في إتقان عمله حد الإبداع والتميز. ولعل المقام يطول بنا في التمحيص والتأمل للمفردات ذات التداخل في المعنى عند الكثير من الناس، وأورد الأمثلة التالية:
– الحب والعشق
– الغبن والحسد
– الطيبة والسذاجة
– الغفران والتسامح
– التنازل والذوبان
– الهبوط والنزول
– التلقين والتعليم
– التضاد والتناقض
– النفوذ والسلطة
– المال والنقود
– اللمز والغمز
– السكوت والصمت
– الفضول والتطفل
– المجاملة والنفاق
– الاحترام والخشية
– التحسس والتجسس
– القناعة والبلادة
– العزة والنحاسة
– التنازل عن الحقوق وتضييعها

عند النجاح في تمييز معاني و مدلولات الكلمات المتشابكة التي قد يستخدمها البعض كمرادفات لغوية، يكون حينها لدى ذلك الإنسان بوصلة أكثر دقة، وصور أوضح ليبحر بها بين الناس وحيثما ذهب. والواقع أن كثير من الكلمات غير مرادفة لبعضها البعض وإنما مغالطات الاستخدام ترسم صور متشابكة ومفاهيم غير واضحة وتطبيقات متناقضة. ويستطيع الإنسان أن يرسم خطوط فصل رفيعة ويميز مثلا بين:

– الصراحة والوقاحة
– الميانة والسيطرة
– الجرأة والنذالة
– الكرم والإسراف
– الصداقة والزمالة

رحمك الله ياجدي فقد مر طيفك في مخيلتي من خلال تاملي لبعض الذكريات لك، ودونت هذا المقال فجعلت ثواب ما كتبته هنا تجديد عهد بك وهدية لروحك الطيبة. وأسأل الله لك ولأبناء جيلك الرحمة والجنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى