أقلام

العقلائية في التعامل مع الغرب

أمير بوخمسين

الغرب الاستعماري زرع إسرائيل الصهيونية في قلب الأمة العربية، وعمل باستمرار على إعاقة النهضة العربية، وأحبط تطور المجتمعات العربية، و تطاول علينا بالاحتقار والاستعلاء على تراثنا وحضارتنا، ودمر ّبلادنا وسرق ثرواتنا، ولايزال يخطط في سبيل تدميرنا حتى لا تقوم لنا نهضة أو حضارة، ولكن الغرب الحضاري أطلق نهضتنا عبر استضافته الآلاف من طلبة العلم والمعرفة عندنا، وبنى لنا المصانع والسدود ومدّنا بآلاته ومبتكراته التي سهّلت سبل عيشنا وزادت في إنتاجية غذائنا وتوفير حاجاتنا، وزوّدنا بالأدوية والتقنيات التي أسهمت في إطالة معدّل أعمارنا، ومدّنا بالأمصال التي لولاها لهلك الملايين من أطفالنا. هذه الإشكالية الموقف من الغرب مظهر من مظاهر الغموض والالتباس اللذين يميزّان كل القضايا والمفاهيم في فكرنا العربي الحديث والمعاصر.

فقد اختلط مفهوم الديمقراطية بمفهوم الشورى، واختلط مفهوم العلمانية بمفهوم الكفر، واختلط مفهوم الحداثة بمفهوم التغّرب. فألحقت بالغرب كل جرائم الاستعمار والإمبريالية والصهيونية، وضاع كل ما أخذناه عن الحضارة الغربية من قيم العقلائية والعلم والليبرالية، وذهب سدى كل ما سرى في نهضتنا الحديثة.

لماذا لم نر من الغرب سوى العادات والمظاهر السيئة التي تسرّبت إلى مجتمعاتنا نتيجة ثورة الاتصالات والمعلوماتية والانفتاح؟ وأين موقفنا الشجاع والحضاري الصلب والقدرة على اختيار ما يتناسب مع معتقداتنا وتراثنا؟ أليس هذا تبرير على تقاعسنا وعدم قدرتنا على مواكبة التطورات العلمية والتقنية في كافة المجالات والميادين؟ ولا يخرجنا من مأزقنا ادعاؤنا بالتفوق الروحي في مواجهة حضارة الغرب المادية.

إن التفريق بين الغرب الحضاري والغرب الاستعماري أمر مطلوب في عملية خلق التوازن الفكري، إذ لا يمكن تجاهل ما أحدثه في مجتمعاتنا من صدمة ضرورية لأجل انتقالنا من القرون الوسطى إلى العصر الحديث، ومقاومته ومواجهته لا بد أن تتم من خلال مشروع حضاري كبير تشترك فيه كافة دول العالم الإسلامي والعربي من أجل رسم خطط إستراتيجية واضحة تتميّز بالتالي:
1- تكوين وعي مضاد للاستعمار، لا ينكفئ على الذات في موقف انهزامي بل يحاور الغرب، ويدرسه ويتفاعل معه من موقع الذاتية والأصالة دون أن يسقط في السلفية.
2- نقد المرجعية الغربية، ولا يكون من خلال إعادة ما كتبه قبل النهضة العربية مفكرينا، مثل طه حسين، وعلي عبد الرزاق وجمال الدين الأفغاني. فالتحرر من الثقافة الغربية معناه التعامل نقديا مع الغرب بوجهيه الحضاري الاستعماري، والدخول معه في حوار نقدي بقراءة ثقافته.
3- التعرف على الأسس والأركان الرئيسة التي ساهمت في تقدم الغرب والعمل على دراستها وتقييمها والاستفادة منها في سبيل بناء حضارة إسلامية عربية.

ولعل قاسم أمين الكاتب المصري والأديب، والمصلح الإجتماعي كتب مع بداية هذ القرن عام 1900 ” أن أوروبا متفّوقة علينا في كل شيْ، وأنه وإن كان يطيب لنا أن نظن أن الأوروبيين أفضل منا مادياً، وإننا أفضل منهم روحياً وأخلاقياً، فإن هذا ليس صحيحاً”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى